عرض المقال :جدالهم في قضية الرسول والرسالة
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات العقلانية للملاحدة

اسم المقال : جدالهم في قضية الرسول والرسالة
كاتب المقال: الحقيقة

جدالهم في قضية الرسول والرسالة

من كتاب :

      صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

      تأليف

      عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

          جادل الملأ من قوم نوح لرفض رسالته التي أرسله الله بها ، وإثبات أنه مفترٍ كذاب ، ولكنهم لم يأتوا بأية حجة منطقية مقبولة لدى العقلاء ، وكانت حجتهم مجرد توجيه التعجب والاستغراب والاستبعاد ، إذ تعجبوا أن يكون الرسول بشراً مثلهم ، وافترضوا أن الواجب يقتضي بأن يكون ملكاً من الملائكة لو أن الله شاء أن يرسل رسولاً .

 

          هذه كانت حجتهم مع أن الحكمة تقتضي بأن يكون الرسول إلى البشر من البشر أنفسهم لا من الملائكة .

 

          ويحكي الله لنا مقالة الملأ من قوم نوح في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول):

          {فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ}

 

          فهؤلاء بعد أن قدموا التعجب كحجة لهم انتقلوا إلى الاحتجاج بأنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين ، وفي هذا تبرر للتعجب من جهة ، واحتجاج بالتقليد الأعمى من جهة أخرى ، ثم انتقلوا إلى إطلاق الشتائم ، وكل هذا ليس له في مجال الاحتجاج المنطقي نصيب ، ولكن دافع الكبر كان حجاباً لهم على الاستجابة له ، أومأ إلى ذلك قولهم "يريد أن يتفضل عليكم".

 

          ومثلما قال قوم نوح قال أيضاً من بعدهم قوم هود ، يقول الله تعالى حكاية لقولهم في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول):

          {وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ}

 

          وهكذا نلاحظ أنهم لم يقدموا دليلاً في جدالهم حول قضية الرسول وقضية الآخرة غير مجرد الاستغراب والاستبعاد ، وإيراد عبارات التعجب ، وأنت خبير بأنه ليس في التعجب شيء يصح أن يحتج به أصلاً ، ولكنها تعلات الكافرين .

 

          ودرج مشركو قريش وسائر كفار العرب على طريقة أسلافهم في الاحتجاج لرفض رسالة الرسول محمد ، ويقص علينا أنباء جدلياتهم فيقول جلَّ وعلا في سورة (الفرقان/25 مصحف/42 نزول):

          {وَقَالُواْ مَا لِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً * ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً}

 

          هذه مقالات قالوها رداً على دعوة الرسول لهم ، وهي كما رأينا تشبه مقالات الأمم قبلها ، وهي تمثل صورة الجدال المتعنت ، الذي اشتط في مطالبه ، زاعماً أنه يريد أن يستوثق من صحة رسالة الرسول وصدق نبوته .

 

          لقد تعجبوا من أن يكون الرسول بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، زاعمين كما زعم الذين كفروا من قبلهم أن الرسول الذي يتلقى عن الله ويبلِّغ الناس ينبغي أن يكون ملكاً ، حتى يصلح لاستقبال الرسالة الربانية وتلقي الوحي الإلهي ، أو يكون هذا الملك مرافقاً للرسول من البشر .

 

          هكذا طرحوا مقالاتهم على هذا الأساس الضعيف الذي لا يشتمل على حجة صحيحة .

 

          وقد جاء الرد القرآني على مقالتهم هذه في قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):

          {وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ}.

 

          وفي قول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول):

          {وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً * قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

 

          فإذا أردنا أن نحلل هذا الرد القرآني إلى عناصره وجدنا فيه بياناً كافياً مفحماً .

 

          إن يتضمن بيان فساد ما زعموه من ضرورة كون الرسول ملكاً ، وبيان أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلى البشر من البشر لا من الملائكة ، فلو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزَّل الله عليهم ملكاً رسولاً ، لكنهم بشر ، فالحكمة تقتضي أن يكون الرسول إليهم من جنسهم ، لأن الرسول مبلغ رسالة ربه ، وقائد أمته ، وأسوة لهم في كل الشؤون التي يعظهم بها ،فلو كان الرسول إلى البشر من الملائكة لا من الناس لكانت حجة الناس عليه أنه لا يشعر بمثل مشاعرهم ، وليس له من الغرائز والشهوات والأهواء مثل ما لهم ، لذلك فهو لا يصلح أن يكون أسوة لهم ، ثم لا يكون حجة عليهم في استقامته والتزام شريعة ربه ،ولو كان ملكاً لكان أبسط جواب يردون عليه أن يقولوا له : لو كان لك مثل غرائزنا وأهوائنا وشهواتنا لعصيت مثلنا ، ولما استقمت على صراط الله ، ولكنه لما كان كامل البشرية مستجمعاً لكل عناصرها وخصائصها كان حجة عليهم في سلوكه ، وأسوة لهم في جميع الأمور .

 

          وكان للكافرين مطلب آخر أخلف من مطلب كون الرسول ملكاً ، فقد طالبوا أن يكون مع الرسول شاهد من الملائكة يراه الناس ويبلِّغ عن الله ، ثم يقوم الرسول من البشر بوظائف الرسالة .

 

          وقد جاء الرد القرآني على هذا في قوله تعالى :{ولو أنزلنا مَلَكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون}.

 

          وهذا الرد يتضمن بيان طبيعة الملائكة ، وأنهم إذا نزلوا وظهروا للناس بيهئتهم الحقيقة فإن أمراً خطيراً من أمور الغيب ينكشف عندئذٍ للناس ، وعندئذٍ لا يبقى للكافرين أي عذر يعتذرون به ، ولا يبقى للإمهال أي معنى ، فإذا أصروا على الكفر بعد ذلك فإن أمر إهلاكهم لا بد أن يقضى في الحال ، وعندئذٍ فهم لا ينظرون ، فليس بعد كشف الغيب مجال للإمهال ، كما أنه ليس بعد انكشاف الغيب عند الموت مجال للتوبة ، وليس بعد ظهور الآيات الكبرى كطلوع الشمس من مغربها مجال للتوبة أيضاً ، فمن رحمة الله بهم أن لا ينزل إليهم الملائكة بصورهم وهيئاتهم الحقيقية ، ليترك لهم مجالاً للتوبة والإيمان بعد روية وأناة وتبصر بالحقائق الكبرى .

 

          وجاء في الرد القرآني أيضاً قوله تعالى {ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً ، وللبسنا عليهم ما يلبِسون}.

 

          ويتضمن هذا الرد أن الله لو استجاب لهم فأرسل لهم رسولاً ملكاً في حقيقته لكان مقتضى الحكمة يُلزم بأ، لا ينزل إليهم بصورته وهيئته الملائكية ، وعندئذٍ فإن أفضل صورة ملائمة يحسن أن يتمثل بها هي صورة رجل من الناس ، ولو أنزل الله ملكاً على صورة رجل من الناس لالتبس عليهم الأمر ، ولما علموا هل هو بشر أو ملك؟ ولانتهى بهم الأمر إلى مثل ما هم فيه من لبس ، إذ يلبسون على أنفسهم الحقائق ، فيكفرون بالرسالة .

 

          إنهم كفروا برسالة محمد وهم يعلمون أمانته وصدقه ، ويشاهدون الآيات التي آتاه الله إياها ، فكيف يكون حالهم مع ملك يأتيهم على صورة رجل وهم لا يعرفون شيئاً عنه؟! إن التباس الأمر عليهم سيكون أشد وأبلغ .

 

          من كل ذلك يتضح أن الحكمة تقتضي من كل الوجوه أن يكون الرسول المرسل إليهم بشراً لا ملكاً .

 

          ولكن من حقه أن يطالبوا بآيات صدق نبوته ورسالته ، وقد آتى الله كل رسول من الآيات ما يكفي لإثبات أنه رسول الله حقاً ، وهنا تنقطع حجة الكافرين ، وتدمغهم حجة الحق ، ولا يبقى لهم إلا العناد .

 

          أما اقتراحهم أن يُلقى إلى الرسول كنز أو أن تكون له جنة يأكل منها فهو اقتراح تعنتي عنادي ليس له قيمة جدلية ولا منطقية ، على أنهم لم يقتصروا على المطالبة بأن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة ،  بل أضافوا إلى ذلك مقترحات أخرى مشابهة ، منها ما تضمنه قول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول):

          {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً * وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً * وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً}

 

          باستطاعتنا أن نحصي من النصوص السابقة مطالبهم ومقترحاتهم التعنتية التي علقوا إيمانهم بالرسول على وجود بعضها بما يلي :

          الاقتراح الأول : أن يكون الرسول ملكاً لا بشراً ، وهذا هو المطلب الأساسي الذي ينم عن كبر نفوسهم عن اتباع بشر مثله ، ولو اصطفاه الله عليهم واختاره لحمل رسالته .

 

          الاقتراح الثاني : أن ينزل إلى الرسول ملك يؤيده ويشهد له ويدعو إلى الله معه ، يراه الناس ويخاطبونه .

 

          الاقتراح الثالث : أن يلقي إليه كنز عظيم فيكون أغنى قومه .

 

          الاقتراح الرابع : أن تكون له في الدنيا جنة كبيرة من نخيل وعنب تتفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، فإذا اكتسب مجد الثراء والغنى والرفاهية مثل عظماء الأرض اتبعوه .

 

          الاقتراح الخامس : أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً يجري في مكة أو ما حولها كأنهار الشام ومصر والعراق .

          الاقتراح السادس : أن يكون له بيت عظيم من زخرف (أي : من ذهب) يرتفع به ارتفاع الملوك العظماء .

 

          الاقتراح السابع : أن ينزل عليهم العذاب الذي أنذرهم به ، فيسقط السماء عليهم كسفاً (أي قطعاً تهلكهم) وهذا إمعان منهم بتكذيبه ، وليس طلباً حقيقياً للعذاب .

 

          الاقتراح الثامن : أن يأتي بالله وملائكته قبيلاً (أي: طرفاً سماوياً) يحاربهم وينصر الرسول إن كان صادقاً ، وهذا أيضاً إمعان منهم بتكذيب رسالته .

 

          الاقتراح التاسع : أن يرقى في السماء ، ومع ذلك فلن يؤمنوا به لمجرد رقيه ، بل لا بد من أن ينزَّل عليهم من السماء كتاباً مسطوراً يقرؤونه .

 

          ولدى التحقيق نجد أن الباعث لكل هذه المطالب المتعنتة كبر في صدورهم وهوى في نفوسهم . لقد رفضوا اتباع بشر منهم ، واستكبروا أن يكون الرسول إنساناً ليس له ملك ولا ثراء ، وليس له جاه عريض عند الناس ، وقد صرحوا بكبرهم هذا ، وقص الله علينا تصريحهم بقوله في سورة (الزخرف/43 مصحف/63 نزول):

          {وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ...}.

 

          على أن الله تعالى لو استجاب لهم فأنزل عليهم كتاباً من السماء فلمسوه بأيديهم لما آمنوا به ، لأنهم متعنتون ، وقد بين الله واقعهم هذا بقوله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):

          {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}

 

          وأما مطالبهم التي تستند إلى عنصر الكبر الطبقي فهي مطالب لا تستحق الإجابة أصلاً ، لأنها فاسدة في قواعدها الكفرية والأخلاقية والدينية ، وما كان الامتياز بالمال والثراء وامتلاك الجنات ليؤهل للتكريم عند الله ولا عند العقلاء من الناس ،فليس من شأن دين رباني ولا من شأن أي مبدأ صحيح أن يعترف بمثل هذا الامتياز الذي ليس له أساس مقبول ، ولا أن يستجيب للمطالب التي تتعلق به ، فالاستجابة توحي بالاعتراف ، وهذا يخالف أصل المبدأ ، وقد اختار الله لخاتم أنبيائه أن لا يكون من أهل الغنى والثراء الكبير ، وأن لا يكون ملكاً من الملوك ، لتصحيح مفاهيم الناس عن عناصر التفاضل الصحيح ، لذلك فلا ينقض الله حكمته هذه ، وقضية الرسالة تحتاج إلى خصائص لا يدخل المال والثراء وامتلاك الجنات فيها ، والاصطفاء بالرسالة فضل من الله ورحمة ، والله يختص بفضله ورحمته من يشاء .

 

          بقي ما طلبوه من الآيات المادية كتفجير الأنهار في مكة وما حولها ، وإزاحة جبالها وتوسيع أراضيها ، وغير ذلك من آيات تشبه الآيات المادية التي أجراها الله على أيدي موسى وعيسى وصالح وغيرهم من النبيين ، وهذا المطلب قد أكدوه وألحوا عليه ، وذكره الله في مناسبات متعددة ، منها قوله تعالى في سورة (الرعد/13 مصحف/96 نزول):

          {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ..}.

 

          وقد يبدو للنظر الأول تساؤل يتضمن الميل إلى تلبية طلبهم الآيات ، إلا أن واقع حالهم ما كان ليفتقر إلى إقامة الأدلة للاقتناع بصدق رسالة محمد ، فقد أنزل الله من الآيات ما فيه الكفاية لمن أراد أن يقتنع بالحق ، وفي مقدمة هذه الآيات معجزة القرآن ، وإنما كانوا يطالبون بالآيات المادية على سبيل التشهي والتعنت ، والله تبارك وتعالى لا يتخذ خرق سننه الدائمة ألعوبة في أيدي المتعنتين أو المتفكهين المتشهين ، إنما يخرقها بمقدار حاجة الناس إلى إقامة الدليل الذي يدلهم على صدق رسالة الرسول ، على أن الله لو أنزل هذه الآية التي طلبوها لكذبوا بها ، فقد كذب بها من قبلهم من الأمم ،وفي هذا يقول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول):

          {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}

 

          وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول رسالة الرسول وإقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ، لم يكن من فريق منهم إلا الإصرار على موقف الإنكار ، ولم تُجدِ فيهم حجج ولا براهين ، وموقفهم هذا قد أعلنه الله في آخر سورة (الرعد/13 مصحف/96 نزول):

          {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ}

 

          ولما لم تنفع فيهم ألوان المعالجة بالحجة المقنعة ، ولم تُجد فيهم البراهين ، كان من الخير حسم الأمر معهم ، وقطع أطراف الجدال ، وإعلان الاستغناء عنهم فقال الله لرسوله :{قل: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}، وفي هذا إشعار بنفض اليد من رجاء إصلاحهم ، وبإنهاء معالجتهم والصبر على مجادلتهم ، وفيه أيضاً إعلان أن الرسول ليس بحاجة إلى شهادة منهم على أنه رسول الله ، وإنما غرضه هدايتهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، والأخذ بأيديهم إلى السعادة الخالدة ، أما الشهادة له بأنه رسول الله حقاً فيكفيه منها شهادتان:

 

          الأولى : شهادة الله له بها ، وذلك فيما أتاه من آيات عظيمة ، وفي مقدمتها القرآن المعجز في لفظه ومعناه .

 

          الثانية : شهادة من عنده علم الكتاب ، وهم الذين عرفوا من كتبهم صفاته فآمنوا به ،وشهدوا له بأنه رسول الله حقاً ، والذين رأوا في معجزة القرآن ما يثبت لهم أنه رسول الله فشهدوا له بذلك .

 

          وبهذا يحسم الأمر وينقطع الجدال ، ويصبح الموقف موقف انتظار حكم الله في أهل الكفر .

 

          ومن قبل محمد - - جاء عيسى عليه السلام قومه بطائفة من الآيات البينات والمعجزات الباهرات ، فقال الذين كفروا من قومه {إن هذا إلا سحر مبين} وأخذوا يجادلون في آيات الله على هذا الأساس الفاسد ، وهذا ما بيَّنه الله بقوله في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):

          {إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}

 

          هذا مع أن الآيات التي جاء بها عيسى عليه السلام آيات عظيمة ، وهي حق وليست بسحر ، ولكن المصرين على الكفر بالمكابرة لا يجدون سبيلاً إلا أن يجادلوا بالباطل ، فيجعلوا ما هو حق واضح مشاهد ملموس سحراً من السحر .

 

          وهذا اللون من ألوان جدال الكافرين لون يعتمد على جحود الواقع الملموس واعتباره وهماً من الأوهام ،وسحراً من السحر الذي تنخدع به الأبصار ، دون أن يكون له في الواقع حقيقة تطابق ما أدركه الحس بالتوهم أو بالتخيل ، وما دام الكافرون مصرين على موقف الجحود والإنكار مهما ظهر لهم وجه الحق ،فليس لهم حجة أمام البينات المادية المدركة بالحس إلا أن يقولوا ك {إن هذا إلا سحر مبين}.

 

          وقد أوضح الله هذه الحيلة الجدلية من حيل الكافرين بقوله لرسوله في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):

                   {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}

 

 

          * جدالهم في قضية الآخرة:

          وجادل الكافرون في قضية الآخرة والبعث بعد الموت ، وكان أهم ما اعتمدوا عليه من حجة إظهار التعجب ،والإنكار على أساس الاستغراب والاستبعاد ، وظاهر أن مثل هذا لا يمثل حجة مقبولة عند العقلاء .

 

          لقد عرض القرآن جدلياتهم في هذا الموضوع ، فمنها قول الله تعالى في سورة (النمل/27 مصحف/48 نزول):

          {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ * قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ * وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}

 

          فقد اشتملت مقالة الكافرين الجدلية لإنكار الآخرة والبعث بعد الموت للجزاء يوم الدين – كما جاء في هذا النص – على عنصرين :

 

          العنصر الأول : الإنكار القائم على الاستغراب والاستبعاد .

 

          العنصر الثاني : الإنكار القائم على بعد أجل يوم الدين ومرور أجيال من الآباء والأجداد دون أن يأتي وقت تحقيق الموعود به ، وهذا ما جعلهم يتوهمون أن قضية الآخرة أسطورة لا تتحقق .

 

          وظاهر أن هذا التصور فاسد من أساسه ، لأن نظام هذه الحياة الدنيا لا يكفي له عشرات الألوف من السنين ، حتى إذا طال أمد بقائه كان ذلك دليلاً على استمراره بلا نهاية ، وأنه ليس وراءه نظام آخر أو حياة أخرى.

 

          إن هذا النظام الكبير الذي تقوم عليه الحياة الدنيا ، وما رتب له من خلائق ، وما جعل فيه من ظروف امتحان لذوي الإرادات الحرة ، ومن قُضي لهم أن يمروا في هذا الامتحان ، كل ذلك لا يكفيه ألوف مؤلَّفة من القرون ، ولا يستكثر عليه طول زمن مهما طال ، فالآخرة حياة خلود وبقاء دائم ، ومهما طال عمر الدنيا فإنه بالنسبة إلى الآخرة يسير جداً ، ولكن الإنسان قصير النظر يقيس الأمور على نفسه وحدود أجله ، ولا يتصور الأبد الخالد تصوراً صحيحاً ، حتى يتضاءل في نظره عمر الدنيا مهما طال ، وآجال الحادثات تقاس بواقع نظام تكوينها ،وبمقادير وظائفها في الوجود ِ، ولذلك نشاهد أن عمر بعض الجراثيم قصير جداً يناسب مقدار وظيفته في الحياة ،بينما يطول نسبياً عمر بعض الحشرات ذات الوظيفة السنوية ، ثم يطول عمر بعض الحيوانات الأخرى ،وهكذا ضمن سلم تصاعدي ، ويزيد طولاً عمر بعض حيتان البحر ، والنظام العام الذي يحوي كل ذلك لا بد أن يستوعب كل ما ربت له أن يمر فيه .

 

          أما الحياة الأخرى فهي دار الخلود ، والدنيا بالنسبة إلهيا كلمحات عابرة من دهر مديد.

 

          فما قدمه الكافرون لإنكار الآخرة لا يصح أن يعتبر حجة صحيحة مقبولة عند العقلاء ، وإنما هو تكذيب بالآخرة من غير دليل ، والباعث عليه الإخلاد إلى الأرض والاغترار بزينة الحياة الدنيا ، وأما استطالة أمد ظروف هذه الحياة الدنيا فتعلَّة جدلية ليس لها أساس منطقي .

 

          وكانت طريقة القرآن في الرد عليهم تشتمل على لفت نظرهم إلى مظاهر عدل الله في الذين كذبوا بيوم الدين من أهل القرون الأولى ، وكيف أ،زل الله بهم معجَّلاً من عقابه في الحياة الدنيا قبل يوم الحساب ليقيم البرهان بتنفيذ معجل الجزاء على صدق مؤجله ، وأحالهم على دليل المشاهدة في واقع الأرض ، وما جرى فيها من أحداث عقاب مدمر على الذين كفروا وكذبوا بيوم الدين ، فقال الله تعالى : {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} ، ثم قال لرسوله : {ولا تحزن عليهم ، ولا تكُن في ضيق مما يمكرون}، وذلك لأنهم لا يستحقون أن تحزن من أجلهم ، إذ اختاروا لأنفسهم سبيل الجحود والتكذيب بالحق ، ورضوا لأنفسهم مصير هذا التكذيب ، وأما مكرهم بك وبدعوتك فلا تكن في ضيق منه لأن الله ناصرك .

 

          ثم إنهم في جدلهم يتساءلون عن الزمن الذي يتحقق فيه الوعد ، فيقولون للرسل: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟).

 

          وبما أن الله قد أخفى عن عباده أجل قيام الساعة كما بيَّن لهم ذلك في نصوص متعددة ، فإن أحسن جواب لهم على سؤالهم تهديدهم بأنهم سيأتيهم بعض الجزاء الذي وعدوا به ، فيلنتظروه معجلاً في ظروف هذه الحياة الدنيا ، إذا أصروا على كفرهم وعنادهم وتكذيبهم ، فقال تعالى لرسوله : {قل : عسى أن يكون رَدِف لكم بعض الذي تستعجلون}.

 

          ففي هذا تلويح تهديدي بقرب أجل عقابهم المعجل في الدنيا ، إنهم يستعجلون الآخرة ، وهذا يعني أنهم يستعجلون عقابهم ، فقل لهم : (عسى أن يكون رَدف لكم بعض الذين تستعجلون)، ومعنى رَدِف لكم: تبعكم[1] ، واستعمال الفعل الماضي في (رَدِفَ) يدل على أن الشيء قد صار قريب الحصول جداً ، حتى كأنه قد وقع فعلاً ، فهو نظير قول المؤذن قد قامت الصلاة ، مع أن المباشرة بها لم تحدث فعلاً ، ولكن الاستعداد التام للمباشرة بها والاتجاه للتنفيذ يجعل الصلاة كأنها قد قامت فعلاً ، فيصبح بهذا الاعتبار الفعل الماضي الموضوع أصلاً للدلالة على أمر قد وقع فعلاً ، دالاً على أن الأمر قد صار قريب الوقوع .

 

          وربما يكون تعبيراً عن أن أمر عقابهم قد قضي في السماء كما تطلق القذيفة ، فهي في طريقها لتصل إلى هدفها .

 

          ثم بيَّن سبحانه وتعالى أن تأخير عقابه فضل منه على عباده ، ليترك لهم فرصة للتوبة ، لكن أكثر الناس لا يشكرون ، فقال تعالى : {وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون}.

          ومما عرَض القرآن من جدلياتهم في موضوع الآخرة والبعث بعد الموت للحساب والجزاء ، قول الله تعالى في سورة (ق/50 مصحف/34 نزول):

          {قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ}

 

          فالأمر الذي صدهم عن الإيمان واحتجوا به تعجبهم من أن يأتيهم رسول منهم ، وتعجبهم من خبر الرجوع إلى الحياة بعد الموت للحساب والجزاء ، مع أن مجرد التعجب من الأمر دون أساس عقلي أو علمي لا يصلح دليلاً للنفي ولا يصح الاحتجاج به لإنكار الحق .

 

          ولما أنكروا الآخرة بحجة الاستغراب والاستبعاد وإطلاق عبارات التعجب تصوروا أنهم قد ملكوا حجة مقنعة ، فأخذوا يتساءلون عن حال الرسول فيقولون : هل هو يفتري على الله كذباً؟ أم به جنة؟ نسُوا خلقهم الأول ، وعمُوا عن الحقيقة الظاهرة التي تشهد بأن من بدأ الخلق قادر على إعادته .

 

          وقد ذكر الله تساؤلهم هذا بقوله في سورة (سبأ/34 مصحف/58 نزول):

          {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبئُكُمْ إِذَا مُزقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ * أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ منَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً منَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لكُل عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

 

          ففي هذا تنبيه قوي على الدليل الكبير الدال على أن الله قادر على أن يخلقهم خلقاً جديداً ، فالذي خلق السماوات والأرض قادر على إعادة خلقهم بعد فناء أجسادهم ، فلا مجال لاستغرابهم واستبعادهم .

 

          وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول الآخرة والبعث بعد الموت للحساب والجزاء ، وبعد إقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة ، لم يكن من فريق منهم إلا الإصرار على موقف الإ،كار ، ولم تجد فيهم حجج واضحة ولا براهين دامغة ، وقد عرض الله موقفهم المتنعت هذا في أوائل سورة (سبأ/34 مصحف/58 نزول):

          {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبَ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * ليَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ من رجْزٍ أَلِيمٌ}

 

          وموقف الرسول هنا موقف إصرار على الإيمان في مقابل إصرار الكافرين على الكفر .

 

        &nb

الصفحات [1] [ 2]
اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 1 /5 ( 1 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 5633


المقالات المتشابهة
جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك