حول موقف القرآن من الشرك بالله



حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - محتويات حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين

 



(وزارة الأوقاف – المجلس الأعلي للشئون الإسلامية )

 



http://www.islamic-council.com/qadaiaux/def1.asp

 



حول موقف القرآن من الشرك بالله

 



 يوضح القرآن أن الله لا يغفر أن يشرك به (سورة النساء آية: 48). ومع ذلك فقد غفر الله لإبراهيم ـ عليه السلام ـ بل جعله نبيّا رغم أنه عبد النجوم والشمس والقمر (الأنعام: 76ـ78). فما الإجابة ؟ (انتهى).

 



الرد على الشبهة :

 



 الشرك محبط للعمل: (قل أفغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) (1) (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا ) (2).

 



 والأنبياء والرسل هم صفوة الله من خلقه ، يصطفيهم ويستخلصهم ، ويصنعهم على عينه ، وينزههم حتى قبل البعثة لهم والوحى إليهم عن الأمور التى تُخِلُّ بجدارتهم للنبوة والرسالة.. ومن ذلك الشرك ، الذى لو حدث منهم واقترفوه لكان مبررًا لغيرهم أن يقترفه ويقع فيه.. ولذلك ، لم يرد فى القرآن الكريم ما يقطع بشرك أحد من الأنبياء والرسل قبل بعثته.. ويدخل فى ذلك أبو الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم ـ عليه السلام ـ.

 



أما الآيات التى يشير إليها السؤال.. وهى قول الله سبحانه وتعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصنامًا آلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين * وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إنى برىء مما تشركون * إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين * وحاجّه قومه قال أتحاجّونى فى الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئًا وسع ربى كل شىء علمًا أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) (3).

 



 أما هذه الآيات ، فليس فيها دليل على أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد مر بمرحلة شرك ، وحاشا لله أن يقع فى ذلك، وإنما هى تحكى كيف آتى الله إبراهيم الحجة على قومه.. حجة التوحيد ، ودحض الشرك.. فهى حجاج وحوار يسلم فيه إبراهيم جدلاً ـ كشأن الحوار ـ بما يشركون ، لينقض هذا الشرك ، ويقيم الحجة على تهاوى ما به يحتجون ، وعلى صدق التوحيد المركوز فى فطرته.. ليخلص من هذا الحوار والحجاج والاحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقى ـ بعد هذه الخيارات التى سقطت ـ هو التوحيد..

 



فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على المنطق والبرهان والاستدلال ، الذى فند دعاوى وحجج الخصوم.. والاستدلال اليقينى (وليكون من الموقنين (وليس فيه انتقال من الشرك إلى التوحيد.

 



 تلك هى الحقيقة التى رجحها المفسرون .

 



* فالقرطبى ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى [671هـ 1273م] يقول فى تفسيره [ الجامع لأحكام القرآن ] ـ مورد الآراء المختلفة حول هذا الموضوع:

 



 قوله تعالى: (هذا ربى (اختلف فى معناه على أقوال ، فقيل: كان هذا منه فى مُهلة النظر وحال الطفوليّة وقبل قيام الحجة ، وفى تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان.

 



 وقال قوم: هذا لا يصح ، وقالوا: غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتى عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحِّد وبه عارف ، ومن كل معبود سواه برىء. قالوا: وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وأتاه رشده من قبلُ ، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين ، ولا يجوز أن يوصف بالخلو من المعرفة ، بل عرف الرب أول النظر.. وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: (واجنبنى وبنىّ أن نعبد الأصنام ) (4) وقال عز وجل: (إذ جاء ربه بقلب سليم ) (5) أى لم يشرك قط.. لقد قال: (هذا ربى (على قول قومه ، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر. ونظير هذا قوله تعالى: (أين شركائى ) (6). وهو جل وعلا واحد لا شريك له ، والمعنى: أين شركائى على قولكم..

 



وقيل: إنما قال: (هذا ربى (لتقرير الحُجة على قومه ، فأظهر موافقتهم ، فلما أفل النجم قرّر الحُجة ، وقال: ما تَغَيَّرَ لا يجوز أن يكون ربًّا ، وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها.

 



 ومن أحسن ما قيل فى هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال فى قوله ـ عز وجل ـ: (نور على نور ) (7) قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ، فإذا عرفه ازداد نورًا على نور ، وكذلك إبراهيم ـ عليه السلام ـ ، عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله ، فعلم أن له ربًّا وخالقًا. فلما عرَّفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال: (أتحاجونى فى الله وقد هدان (.

 



 وقيل: هو على معنى الاستفهام والتوبيخ ، منكرًا لفعلهم ، والمعنى: أهذا ربى ، أو مثل هذا يكون ربًّا ؟! فحذف الهمزة. وفى التنزيل: " (أفإن مت فهم الخالدون ) (8). أى أفهم الخالدون ؟.. " (9).

 



* ومع هذا الرأى أيضًا الزمخشرى ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمى [467 ـ 538هـ ، 1075 ـ 1144م ] ، صاحب تفسير [ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل ] الذى يقول فى تفسير هذه الآيات:

 



 " وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرِّفهم أن النظر الصحيح مؤدٍّ إلى أن شيئًا منها لا يصح أن يكون إلها ، لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها مُحْدِثًا أحدثها وصانعًا صنعها ومدبرًا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها ".

 



 (هذا ربى (: قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشَّغَب ، ثم يكرُّ عليه بعد حكايته فيبطله بالحُجة.

 



 (لا أحب الآفلين (: لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال ، المنتقلين من مكان إلى مكان ، المحتجبين بستر ، فإن ذلك من صفات الأجْرام.

 



 (لئن لم يهدنى ربى (: تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو نظير الكواكب فى الأفول فهو ضال ، وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه..

 



 (إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض (أى للذى دلت هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدئها ومبدعها (10).

 



* وعلى هذا الرأى أيضًا من المحدثين ـ الشيخ عبد الوهاب النجار [ 1278ـ1360هـ ،1862ـ1941م] ـ صاحب [ قصص الأنبياء ] ـ الذى يقول: " لقد أتى إبراهيم فى الاحتجاج لدينه وتزييف دين قومه بطريقة التدرج فى الإلزام أو التدرج فى تكوين العقيدة.. " (11).

 



وذلك هو موقف إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ من الشرك.. لقد عصمه الله منه.. وإنما هى طريقة فى الجدال يتدرج بها مع قومه ، من منطلقاتهم ليصل إلى هدم هذه المنطلقات ، وإلى إقامة الدليل العقلى على عقيدة التوحيد الفطرية المركوزة فى القلوب.

 



المراجع

 



(1) الزمر: 64ـ66.

 



(2) النساء: 48.

 



(3) الأنعام: 74ـ83.

 



(4) إبراهيم: 35.

 



(5) الصافات: 84.

 



(6) القصص: 74.

 



(7) النور: 35.

 



(8) الأنبياء: 34.

 



(9) [ الجامع لأحكام القرآن ] ج7 ص 25 ، 26 ، طبعة دار الكاتب العربى للطباعة والنشر ـ القاهرة 1387هـ 1967م.

 



(10) [ الكشاف ] ج2 ص 30 ، 31 طبعة دار الفكر ـ بيروت ـ بدون تاريخ ـ وهى طبعة مصورة عن طبعة طهران " انتشارات أفتاب ـ تهران " وهى الأخرى بدون تاريخ للطبع.

 



(11) [ قصص الأنبياء ] ص 80 طبعة دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ للطبع.

 




 




تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة