« بشارات العهد القديم بمحمد صلى الله عليه وسلم ج 1 »






البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم في العهد القديم

 





البشارة الأولى:

 





 رؤيا رآها يعقوب عليه السلام في منامه، وذلك أنه رأى سلماً منصوباً من الأرض إلى السماء، وله خمس درجات، ورأى في منامه أمة عظيمة صاعدة في ذلك الدرج والملائكة يعضدونهم، وأبواب السماء مفتوحة فتجلى له ربه قائلاً: يا يعقوب أنا معك أسمع وأرى، تمن يا يعقوب. فقال: يا رب من أولئك الصاعدون في ذلك الدرج ؟ فقال الله له: هم ذرية إسماعيل. فقال يا رب بماذا وصلوا إليك ؟ فقال: بخمس صلوات فرضتهن عليهم في اليوم والليلة فقبلوهن وعملوا بهن فلما استيقظ يعقوب من منامه فرض على ذريته الخمس الصلوات، ولم يكن الله سبحانه وتعالى قد فرض على بني إسرائيل صلاة في التوراة إلا القرابين يقربونها، وما زالت بنو إسرائيل وعلماؤهم يصلون الصلوات الخمس إتباعاً لسنة جدهم يعقوب عليه السلام، ولم تزل أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام يبشرون بظهور محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتمنون أن يكونوا في زمانه.

 





البشارة الثانية:

 





أن يعقوب عليه السلام لما دنت وفاته جمع أولاده وقال لهم: (تقربوا إليّ أقول لكم ما يظهر آخر الزمان. فلما اجتمعوا قال لهم: ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً، قال الإسكندراني: (ولم يوجد في التوراة أنه ذُكر شيء مما وعد به، بل مكتوب في التوراة أنه دعا لهم وتوفى، علم من ذلك أنهم محوا اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الآية.

 





قلت: إن الله صرفهم عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من وصية يعقوب، ففي هذا الإصحاح وبعد هذه الفقرة بفقرات يسيرة يرد إخبار يعقوب لأبنائه بما سيكون في آخر الزمان، وقد بقى هذا الإخبار إلى الآن يحمل بعض ألفاظه العبرية، وهو قول يعقوب عليه السلام: (لا يزول صولجان من يهوذا أو مشرّعٌ من بين قدميه حتى يأتي شيلوه، ويكون له خضوع الشعوب)، وقد منّ الله على المهتدي عبد الأحد داود فكشف اللثام عن هذه الوصية، وفي الأسطر التالية اقتبس بعض استدلالاته واستنتاجاته على أن هذه البشارة خاصة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه الاستدلالات هي:

 





1. أن كلمة "شيلوه" كلمة فريدة في العهد القديم، ولا تكرر في أي مكان آخر في العهد القديم.

 





2. أن كلمة شيلوه تتكون من أربعة أحرف عبرية هي: "شين"، "يود"، "لاميد"، "وهي"، وتوجد بلدة اسمها شيلوه ولكن لا يوجد فيها حرف "يود"، ولذلك لا يمكن أن يكون الاسم مطابقا أو مشيراً للبلدة، إذاً فالكلمة حيثما وجدت تشير إلى شخص وليس إلى مكان.

 





3. أن هذه العبارة اشتملت على ضمير لغير العاقل، وقد يشير إلى القضيب أو الصولجان، أو المشرع بصورة منفصلة أو مجتمعة، وربما يشير للطاعة، وعليه فإن معنى العبارة: (إن الطابع الملكي المتنبي لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجئ الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب).

 





4. بعد أن أورد بعض تحولات الترجمة لهذه الكلمة بين العبرية والسريانية قال: يمكن أن تقرأ هذه العبارة بالصورة التالية: (حتى يأتي الشخص الذي تخصه..)

 





5. أن الكلمة "شيلوه" مشتقة من الفعل العبري "شله" وهي تعني المسالم والهاي والوديع والموثوق.

 





6. من المحتمل أنه تم على هذه العبارة تحريف متعمد فتكون "شالوه" فحينئذ يكون معناها "شيلوح" وهذه العبارة مرادفة لكلمة "رسول ياه" وهو نفس اللقب الموصوف به محمد صلى الله عليه وسلم "وشيلواح إلوهيم" تعني: رسول الله.

 





7. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة على المسيح حتى لو آمن اليهود بنبوته، لأنه لا توجد أي من العلامات أو الخصائص التي توقعها اليهود في هذا النبي المنتظر في المسيح عليه السلام، فاليهود كانوا ينتظرون مسيحاً له سيف وسلطة، كما أن المسيح رفض هذه الفكرة القائلة بأنه هو المسيح المنتظر الذي تنتظره اليهود.

 





8. أن هذه النبوة قد تحققت حرفيا وعملياً في محمد صلى الله عليه وسلم ، فالتعابير المجازية "الصولجان" و "المشرع" قد أجمع الشراح المعلقون على أن معناها السلطة الملكية والنبوة. وهذا يعني علمياً أنه صاحب الصولجان والشريعة، أو الذي يملك حق التشريع وتخضع له الشعوب.

 





9. لا يمكن أن تنطبق هذه البشارة في حق موسى، لأنه أول منظم لأسباط بني إسرائيل، ولا في حق داود، لأنه أول ملك فيهم.

 





10. لو تم تفسير "شيلوه" بـ "شالا" الآرامية فهي تعني: هادي ومسالم وأمين، وهذا يتفق مع تفسير "شله" العبرية. وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة هو الأمين، وهو محل الثقة، وهو المسالم الهادي الصادق. وبعد هذه المحاولات التفسيرية والترجمة ينتقل المهتدي عبد الأحد إلى إلزام الخصم بهذه النبوة ومدلولاتها وهي ما يلي:

 





1. أن الصولجان والمشرع سيظلان في سبط يهوذا طالما أن شيلوه لم يظهر.

 





2. بموجب ادعاء اليهود في هذا "الشيلوه" فإن شيلوه لم يظهر، وأن الصولجان الملكي والخلافة تخصان ذلك السبط، وقد انقرضنا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.

 





3. أن سبط يهوذا اختفى مع سلطته الملكية وشقيقتها الخلافة النبوية، ومن الشروط الأساسية لظهور "الشيلوه" إبقاء السبط على وجه الأرض يعيض في أرض آبائه، أو في مكان آخر بصورة جماعية.

 





4. اليهود مضطرون أن يقبلوا واحداً من الخيارين: إما التسليم بأن "شيلوه" قد جاء من قبل، وأن أجدادهم لم يتعرفوا عليه. أو أن يتقبلوا أن سبط يهوذا لم يعد موجوداً، وهو السبط الذي ينحدر منه "شيلوه".

 





5. أن النص يتضمن بصورة واضحة ومعاكسة جداً للاعتقاد اليهودي والنصراني – أن "شيلوه" غريب تماماً على سبط يهوذا وبقية الأسباط، لأن النبوة تدل على أنه عندما يجيء "شيلوه" فإن الصولجان والمشرع سوف يختفيان من سبط يهوذا، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان "شيلوه" غريباً عن يهوذا، فإن كان "شيلوه" منحدراً من يهوذا فكيف ينقطع هذان العنصران من ذلك السبط، ولا يمكن أن يكون "شيلوه" منحدراً من أي سبط آخر، لأن الصولجان والمشرع كانا لمصلحة إسرائيل كلها، وليس لمصلحة سبط واحد. وهذه الملاحظة الأخيرة تقضي على الادعاء النصراني في أن المسيح هو "شيلوه"، لأن المسيح منحدر من يهوذا من جهة أمه.

 





وقد أورد هذه البشارة النجار وقال إن المعنى: أن النبوة تبقى في سبط يهوذا – أكبر أولاد سيدنا يعقوب – حتى يأتي "شيلون" أي الإسلام، وتخضع له الأمم.

 





أولاً : بشارة سفر العدد: ما ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال: (انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل، وعضده سبط من العرب، ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها) وقال المهتدي الإسكندراني: (ولم يظهر من نسل إسماعيل إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره صلى الله عليه وسلم. حقا إنه كوكب آل إسماعيل، وهو الذي تغير الكون لمبعثه صلى الله عليه وسلم ، فقد حرست السماء من استراق السمع، وانطفأت نيران فارس، وسقطت أصنام بابل، ودكت عروش الظلم على أيدي أتباعه.

 





وقد حرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى: (يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم موآب، ويهلك من الوغى).

 





ثانياً: بشارات سفر التثنية:

 





البشارة الأولى: لما هُزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعاً بمحمد صلى الله عليه وسلم قائلاً: (اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر جيوش المؤمنين، فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل على العمالقة ببركات محمد صلى الله عليه وسلم) وقد استبدل هذا النص بالعبارات التالية: (اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تلتفت إلى غلاظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته) ولا يمكن أن يكون هذا الدعاء – الذي في النص الأول – قد صدر من موسى عليه السلام ، لأنه ينافي كمال التوحيد.

 





البشارة الثانية: في الفصل الحادي عشر أن موسى قال لبني إسرائيل: (إن الرب إلهكم يقيم نبياً مثلي من بينكم، ومن إخوتكم فاسمعوا له) وقد ورد في هذا الإصحاح ما يؤكد هذا القول ويوضحه، وهو ما ورد في التوراة أن الله قال لموسى: (إني مقيم لهم نبياً مثلك من بين إخوتهم، وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه) وتكاد أن تكون هذه البشارة محل إجماع من كل من كتب في هذا الجانب، وقد بين هؤلاء المهتدون كيف تنطبق هذه البشارة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الوجوه التالية:

 





1. اليهود مجمعون على أن جميع الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل من بعد موسى لم يكن فيهم مثله. والمراد بالمثلية هنا أن يأتي بشرع خاص تتبعه عليه الأمم من بعده، وهذه صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه من إخوتهم العرب، وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع السابقة، وتبعته الأمم عليها، فهو كموسى، هذا فضلاً عن أن لفظه (من بينهم) الواردة في البشارة قد أكدت وحددت الشخص المراد.

 





2. هذا النص يدل على أن النبي الذي يقيمه الله لبني إسرائيل ليس من نسلهم، ولكنه من إخوتهم، وكل نبي بعث من بعد موس كان من بني إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلام، فلم يبق رسول من إخوتهم سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 





3. أن إسماعيل وذريته كانوا يسمون إخوة لبني إبراهيم عليه السلام، لأن الله قال في التوراة لهاجر – حسب رواية العهد القديم – عن ابنها إسماعيل: (بأنه قبالة إخوته ينصب المضارب) كما دعى إسحاق وذريته إخوة لإسماعيل وذريته.

 





4. أن في هذه الآية إشارة خفية غير صريحة، فائقة الحكمة، لأن موسى لو كان قصد بالنبي الموعود أنه من بني إسرائيل، لكان ينبغي أن يقول بدلا من (من إخوتكم): منكم، أو من نسلكم، أو من أسباطكم، أو من خلفكم، وبما أنه ترك هذا الإيضاح، علمنا أنه قصد بهذه الإشارة أنه من بني إسماعيل المباينين لهم.

 





5. اشتمل هذا النص على مفردة كافية للتدليل على أن هذه النبوة خاصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي قوله: "انتقم منه". وفي بعض الترجمات (وكل نفس لا تسمع لذلك النبي وتطيعه تستأصل). فهي تدل على أن من لا يسمع له ويطعه ينتقم منه ويستأصل. وهذا ينطبق تماماً مع حال المخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن تنطبق على عيسى عليه السلام الذي طارده وحاربه اليهود، ولم يقع عليهم الإنتقام منه أو من أتباعه، وهذه المفردة كافية للتدليل على صدقها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 





البشارة الثالثة: جاء في الفصل العشرين: (أن الرب جاء من طور سينين، وطلع لنا من ساعير، وظهر من جبل فاران، ومعه عن يمينه ربوات القديسين فمنحهم العز، وحببهم إلى الشعوب، ودعا بجميع قديسيه بالبركة) وهذه البشارة كالتي قبلها كادت أن تكون محل إجماع وقبول ممن كتب في هذا الجانب.

 





وفاران هي مكة وأرض الحجاز، وقد سكنها إسماعيل، ونصت على ذلك التوراة (وأقام في برية فاران، وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر) وإذا كانت التوراة أشارت إلى نبوة تنزل على جبل فاران لزم أن تلك النبوة على آل إسماعيل، لأنهم سكان فاران.

 





أما من توهم أن فاران الواردة في هذه البشارة هي التي بقرب جبل سيناء – فليس ظنه صحيحاً، لأن فاران تلك هي برية فاران كما أفادت عنها التوراة. وهنا ذكر جيلاً. ودعيت تلك فاران بسبب أنها ظليلة من الأشجار. ولفظة فاران عبرية تحتمل الوجهين، فإذا ذكرت البرية لزم أنها ظليلة، وإن ذكر الجبل ينبغي أن يفهم بأنه جبل ذو غار، وفي هذه البشارة ذكر جبل فعلم أنه جبل فاران الذي فيه المغارة. كما أن لفظة فاران مشتقه من فاري بالعبرية وعربيتها: المتجمل. أي المتجمل بوجود بيت الله. وهذه الجبال قد تجملت ببيت الله.

 





ومعنى جاء الرب: أي ظهر دينه ودعي إلى توحيده. كما أن لفظة "رب" هنا تقع على موسى وعيسى ومحمد وهي مستعملة بهذا الإطلاق في اللغة السريانية والعربية فتقول العرب رب البيت بمعنى صاحب البيت ويقول السريان لمن أرادوا تفخيمه "مار" ومار بالسريانية هو الرب.

 





وقد أورد المهتدي الإسكندراني هذه البشارة باللغة العبرية ثم ترجمها إلى اللغة العربية ونص ترجمته هكذا: (جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وظهر من ربوات قدسه عن يمينه نور وعن شماله نار، إليه تجتمع الأمم، وعليه تجتمع الشعوب) وقال: (إن علماء بني إسرائيل الشارحين للتوراة شرحوا ذلك وفسروه بأن النار هي سيف محمد القاهر، والنور هي شريعته الهادية صلى الله عليه وسلم.

 





وقد يقول قائل: إن موسى تكلم بهذه البشارة بصيغة الماضي فلا تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم. والجواب أن من عادة الكتب الإلهية أن تستعمل الماضي في معنى المستقبل، ألم تر أنه أخبر عن عيسى في هذه البشارة كذلك بصيغة الماضي، فإن قبلت هذه البشارة في حق عيسى فهي في حق محمد ادعى للقبول.

 





وفي الإشارة إلى هذه الأماكن الثلاثة التي كانت مقام نبوة هؤلاء الأنبياء ما يقتضي للعقلاء أن يبحثوا عن المعنى المراد منه المؤدي به إلى إتباع دينهم. وقد ربط المهتدي إبراهيم خليل بين هذه البشارة وبين صدر سورة التين واستنتج منه تطابقاً كاملاً في الوسيلة والتعبير.

 





البشارة الرابعة: لما بعث المسيح عليه السلام إلى بني إسرائيل، وأظهر لهم المعجزات، نهض إليه عالم من علمائهم يقال له شمعون بلقيش وقال له: (لا نؤمن بك ولا نسلم لك فيما ادعيته، ولا فيما أتيت به، لأن موسى عليه السلام أخبرنا في شريعته عن الله عز وجل أن النبي المبعوث في آخر الزمان هو من نسل إسماعيل، وأنت من بني إسرائيل. واستدل على ذلك بقول موسى في التوراة: (لا يقوم في بني إسرائيل مثل موسى) وأفتوا بقتل عيسى عليه السلام. وعيسى لم يدع أنه مثل موسى، وإنما دعاهم إلى عبادة الله وحده، والعمل والتصديق بما في التوراة.

 



ثالثاً: بشارة اليأس:

 





ذكر المهتدي الإسكندراني أنه جاء في صحف إلياس عليه السلام أنه خرج في سياحته وصحبه سبعون رجلاً، فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال لمن معه: انظروا هؤلاء الذين يملكون حصونكم العظيمة فقالوا: يا نبي الله ! ما الذي يكون معبودهم ؟ فقال عليه السلام: يوحدون الله تبارك وتعالى فوق كل منبر عال، فقال له أتباعه يا نبي الله ! من يدلهم على ذلك ؟ فقال: ولد يولد من نسل إسماعيل، اسمه مقرون باسم الله، حيث يذكر اسم الله تعالى يذكر اسمه. قال المهتدي الإسكندراني: ولم يكن ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.

 





رابعا: بشارات المزامير:

 





البشارة الأولى: قول داود عليه السلام في المزمور الخامس والأربعين: (من أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد السيف أيها الجبار، لأن بهاءك وحمدك البهاء الغالب، وأركب كلمة الحق، وسميت التأله، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونه، والأمم يخرون تحتك) وقد أورد هذه البشارة المهتدي الشيخ زيادة في البحث الصريح بصورة أطول من هذه، وكل الصفات الواردة في كلا النصين تنطبق تماماً على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 





البشارة الثانية: قول داود عليه السلام في المزمور الثامن والأربعين: (إن ربنا عظيم محمود جداً، وفي قرية إلهنا وفي جبله قدوس ومحمد، وعمت الأرض كلها فرحا) فقد صرح وأبان عن اسمه، وذكر مبعثه وهي أم القرى، ووصف حال الكون بعد مبعثه وهو الاستبشار والفرح، ألم تتلق الشعوب المغلوبة على أمرها جنوده بالفرح والاستبشار كما هو مدون في كتب السير والتأريخ. وقد حرف هذا النص في الطبعة التي بين يدي إلى: (عظيم هو الرب وحميد جداً في مدينة إلهنا قدسه) وقد يتضح القصد من إبدال القرية بالمدينة، حتى تنطبق هذه البشارة على أنبياء بني إسرائيل المبعوثين في مدنهم. وقد أعماهم الله عن تحريف الجزء الأول منه فلله الحمد والمنة.

 





البشارة الثالثة: قول داود عليه السلام في المزمور الخمسين: (إن الله صهيون إكليلاً محموداً، فالله يأتي ولا يهمل، وتحرق النيران بين يديه، وتضطرم حواليه اضطراماً) وقال المهتدي الطبري تعليقاً على هذه البشارة: (أفما ترون أنه لا يخلى داود عليه السلام شيئاً من نبواته من ذكر محمد أو محمود، كما تقرءون، ومعنى قوله إكليلاً محموداً: أي أنه رأس وإمام محمد محمود، ومعنى محمد ومحمود وحميد شيء واحد في اللغة، وإنما ضرب بالإكليل مثلاً للربانية والإمامية) وقد حرف هذا النص إلى: (من صهيون كمال الجمال الله أشرق، يأتي إلهنا ولا يصمت).

 





البشارة الرابعة: قول داود في المزمور الثاني والسبعين: (إنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه يخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، وتلحس أعداؤه التراب، تأتيه ملوك تاريس والجزائر بالقرابين، وتقرّب إليه ملوك سابا القرابين، وتسجد له الملوك كلهم، وتدين له الأمم كلها بالطاعة والانقياد، لأنه يخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه، ويفتقد الضعيف الذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وينجي أنفسهم من الضر والضيم، وتعز عليه دماؤهم، وأنه يبقى ويعطى من ذهب سبأ، ويصلى عليه في كل وقت، ويبارك عليه كل يوم مثل الزروع الكثيرة على وجه الأرض، ويطلع ثماره على رؤوس الجبال، كالتي تطلع من لبنان، وينبت في مدينته مثل عشب الأرض، ويدوم ذكره إلى الأبد، وأن اسمه لموجود قبل الشمس، فالأمم كلهم يتبكون به، وكلهم يحمدونه) وقال المهتدي الطبري: (ولا نعلم أحداً يصلى عليه في كل وقت غير محمد صلى الله عليه وسلم) وغني هذا النص عن زيادة تعليق أو شرح، فلم تتحقق هذه الصفات متكاملة لنبي أو ملك قبل محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما تحققت له، وبمقارنة سريعة بين الآيات التي سأوردها وهذا النص يتضح التماثل التام بينهما، قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وقال عز وجل: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأة فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار).

 





وقد تضمن المزمور الذي وردت فيه هذه البشارة بعض الألفاظ التي لا تزال مشرقة وشاهدة وهي قول داود: (ويشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر) وهذا اللفظ يقع مباشرة قبل قوله: (إنه يجوز من البحر إلى البحر..) ولنفاسه هذا اللفظ أحببت إيراده. وقد ضُبطت لفظة "الصديق" بالشكل الذي نقلته، فهل بعد هذا الإيضاح يبقى إشكال لذي عقل؟ وقد ذكر صاحبه الصديق رضي الله عنه، وذكر سنة من سنن دينه وهي كثرة السلام إلى أن يضمحل القمر، واضمحلال القمر تعبير عن الساعة يشهد له أول سورة التكوير والانفطار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة أن يكون السلام على الخاصة.

 





البشارة الخامسة: قال داود في المزمور الحادي عشر بعد المائة: (قال يهوه لسيدي: اجلس على يميني إلى أن أجعل أعداءك مسنداً لقدميك) ويبرر المهتدي عبد الأحد داود إطلاق داود عليه السلام لهذا الوصف "سيدي" بما يلي:

 





1. أن داود كان ملكاً قوياً، ولا يتأتى أن يكون خادماً لأي كائن بشري.

 





2. لا يمكن أن نتصور أنه كان يعني بهذا اللقب أحد الأنبياء المتوفين.

 





3. لا يمكن لداود أن يدعو أحداً من سلالته "سيدي"، لأن اللقب المعقول حينئذ سيكون: يا بني.

 





4. لا يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو الذي عناه داود بسيدي، لأن المسيح قد استثنى نفسه من هذا اللقب بنص إنجيل برنابا.

 





أما الحجج التي احتج بها عبد الأحد على أن الموصوف بـ "سيدي" في هذا النص هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كالتالي:

 





1. أنه أعظم نبي، لأنه هو الذي نشر التوحيد، وقضى على الشرك، وطهّر الكعبة من الأصنام، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، إذاً ليس لداود فحسب، بل سيد الأنبياء ولا فخر.

 





2. أن عيسى اعترف أنه لم يكن سيد داود، فلم يبق سوى محمد صلى الله عليه وسلم سيداً لداود.

 





3. بمقارنة ما قدمه محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية مع ما قدمه كافة الأنبياء، نخرج بنتيجة تفرض نفسها وهي أن محمد صلى الله عليه وسلم وحده هو الذي يستحق هذا اللقب المميز.

 





4. تفوقه صلى الله عليه وسلم في التنديد بالشرك والوثنية وبالثالوث النصراني.

 





5. أن هذا التشريف قد تم ليلة المعراج.

 





البشارة السادسة: قول داود عليه السلام في المزمور التاسع والأربعين بعد المائة: (من أجل أن الرب أتاح لشعبه وتطول على المساكين بالخلاص، فليتعزز الأبرار بالكرامة، ويسبحونه على مضاجعهم، ويكرمون الله بحناجرهم، لأن في أيديهم السيف ذا الشفرتين للانتقام من الشعوب وتوبيخ الأمم، وإثقال ملوكهم بالقيود، وعليّتهم ومكرّميهم بالسلاسل، ليحملهم على القَدَر المكتوب المبرم، فالحمد لجميع أبراره) ألم تحقق هذه النبوة في محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه؟ ألم يقل الحق عنهم: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) أما قوله: ويكرمون الله بحناجرهم. فهذا من أخص خصائص هذه الأمة، وهو الأذان والإقامة والتكبير والتسبيح والذكر. وقال المهتدي الطبري معلقاً على هذه البشارة: (أما ترون – يهديكم الله – هذه الصفات خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته ؟ فهو الذي معه السيف ذو الشفرتين، وهو المنتقم بأمته من جبابرة فارس وطغاة الروم وغيرهم، وهو الذي قيّدت أمته الملوك، وساقت جلّتهم وأولادهم في السلاسل والأغلال).

 





البشارة السابعة: قول داود عليه السلام في المزمور الثاني والخمسين بعد المائة: (لترتاح البوادي وقراها، ولتصر أرض قيدار مروجاً، وليسبح سكان الكهوف، ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب، ويذيعوا تسابيحه في الجزائر، لأن الرب يجئ كالجبار، كالرجل المجرب المتلظي للتكبر، فهو يزجر ويتجبر، ويقتل أعداءه) قال المهتدي الطبري: (من قيدار؟ إلا ولد إسماعيل عليه السلام، وهم سكان الكهوف الذي يحمدون الرب ويذيعون تسابيحه في الهواجر والأسحار) ولم يختص أبناء إسماعيل بسكنى الكهوف، وإنما ذكر في هذه البشارة سكان البوادي والقرى والكهوف وقلل الجبال والجزائر إشارة إلى شمول رسالته صلى الله عليه وسلم كافة أرجاء المعمورة، ولجميع الأماكن الممكنة لسكنى البشر كالبوادي والقرى والكهوف والجزائر وقلل الجبال، وليس وراء هذه الأماكن ما ينفع لإقامة البشر فيها واتخاذها مسكناً.

 





البشارة الثامنة: قول داود عليه السلام: (طوبى لكم يا بني إسماعيل سيبعث منكم نبي تكون يده عالية على كل الأمم، وكل الأمم تحت يده) وعلق الإسكندراني على هذه البشارة بقوله: (ومن المعلوم أن إسماعيل عليه السلام لم يكن ظهر له ملك، ولا علت يده على إخوته، ولا نزل إلى الشام ولا سكن، ولم يكن ذلك إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته هم الذين سكنوا بمساكن بني إسرائيل بمصر والشام) وهذه البشارة مماثلة للبشارة الأولى في سفر التكوين – وقد سبق إيرادها في هذا المبحث.

 





البشارة التاسعة: قول داود في المزمور: (عظموا الله يا كل الأمم، ووحدوا الله يا أهل الأرض، سيبعث لكم نبي الرحمة) فهل بعد هذا التصريح من تصريح؟ ومن غير محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ؟ .

 





خامساً : بشارات إشعياء:

 





البشارة الأولى: قول إشعياء في الإصحاح الأول: (اسمعي يا سموات، وقرّي يا أرض، ولماذا تقلقي؟ سيبعث عليك نبي به ترحمي) وهذه النبوة توافق النبوة الماضية في مزامير داود عليه السلام التي قال فيها: سيبعث لكم نبي الرحمة.

 





البشارة الثانية: قول إشعياء في الفصل الثالث: (إني رافع آية للأمم، من بلد بعيد، وأصفر لهم من أقاصي الأرض صفيراً، فيأتون سراعاً عجالاً، ولا يميلون ولا يتعثرون ولا ينعسون ولا ينامون ولا يحلون مناطقهم، ولا ينقطع معقد خفافهم، سهامهم مسنونة، وقسيهم موترة، وحوافر خيلهم كالجلاميد صلابة، وعجلهم مسرعة مثل الزوابع، وزئيرهم كنهيم الليوث، وكشبل الأسد الذي يزأر وينهم للفريسة، فلا ينجو منهم ناج، ويرهقهم يومئذ مثل دوي البحر واصطكاكه، ويرمون بأبصارهم إلى الأرض فلا يرون إلا النكبات والظلمات، وينكشف النور عن عجاج جموعهم) وقد استنبط المهتدي الشيخ زيادة من هذا النص الدلالات التالية:

 





1. هذه البشارة منطبقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كل وجه، بدليل قوله رابع آية للأمم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو العلامة المرفوعة لسائر الأمم.

 





2. أن قوله: من بلد بعيد، إشارة إلى أن هذه العلامة ترفع للأمم من خارج أرض بني إسرائيل، ويتضح ذلك من قوله بعده: من أقاصي الأرض. فكأنه قال: إن أقصى أرض إسرائيل هي الأرض التي يخرج منها ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

 





3. نفى التعب والإعياء والنوم عن جيوشه، وإثبات السرعة، برهان ظاهر على أن المراد بهذه النبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الملائكة كانت تشارك في جيوشه، وهم الذين لا ينامون ولا يسأمون.. كما أن نفي النوم عنه يدل أيضا على نبينا، لأنه كان يقضي الليل في العبادة والذكر والصلاة، حتى تورمت قدماه.

 





4. الشهادة لحوافر خيله بأنها مثل الصوان، مطابق لوصف الله لها في القرآن بقوله: (والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا) ولا يمكن أن تنطبق هذه البشارة على عيسى عليه السلام، لأنه لم يكن له خيل.

 





ولعل المراد من قوله: وأصفر لهم من أقاصي الأرض فيأتون سراعاً عجالاً. هو النداء بالحج إلى بيت الله الحرام الوارد في قوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). وعبر بالصفير عن النداء والأذان.

 





البشارة الثالثة: قول إشعياء في الفصل الخامس مفسراً ما تقدم من نبواته: (إن الأمة التي كانت في الظلمات رأت نوراً باهراً، والذين كانوا في الدجى وتحت ظلال الموت سطع عليهم الضوء، أكثرت من التبع والأحزاب، ولم تستكثر بهم، فأما هم فإنهم فرحوا بين يديك كمن يفرح يوم الحصاد، وكالذين يفرحون عند اقتسام الغنائم، لأنك فككت النير الذي كان أذلهم، والعصا التي كانت على أكتافهم، وكسرت القضيب الذي كان يستبعد بهم مثل كسرك من كسرت في يوم مدين وقال الطبري: (وذلك شبيه بما وصف الله تعالى عن النبي في القرآن وقال إنه يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

 





وهذا النص يصور حال أمته قبل بعثته، فقد كانت ترتع في ظلمات الجهل والشرك، ثم أضاء لها نور الوحدانية فاتبعته، وبعد أن كانت أمة مستضعفة، كثر أتباعها، وفرحوا بانضمامهم إليها، وبسبب هذه الرسالة رفع الله عنهم استبعاد الأمم لهم، وانقلبت حالهم فإذا هم المسيطرون على بني البشر.

 





البشارة الرابعة: قول إشعياء في الفصل الخامس: (إنه ولد لنا مولود، ووهب لنا ابن سلطانه على كتفه) هذا النص عن الترجمة السريانية، أما ترجمته عن اللغة العبرية فهو: (إن على كتفه علامة النبوة).

 





وقد أورد المهتدي الشيخ زيادة هذه البشارة بالنص العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وكانت بصورة أطول مما ذكره الطبري هنا، واستنتج منها الأدلة التالية الدالة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي:

 





1. أن اسمه عجيب، فلم يتسم أحد بهذا الاسم الشريف من قبل.

 





2. أنه من سلالة إسماعيل الذي لم يظهر منهم سواه.

 





3. أن لفظه "عجيباً" التي تضمنتها البشارة قد وجدت في التوراة اليونانية "رسولاً" وهو الاسم المتغلب عليه صلى الله عليه وسلم.

 





4. هذه النبوة تضمنت أن إشعياء سماه "مشاوراً"، ولم يكن أحد أكثر منه مشاورة لأصحابه صلى الله عليه وسلم.

 





5. أن إشعياء قال عنه: "سيد سلام"، وهذا يدل على أنه رئيس الإسلام والمسلمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين. ولا تنطبق هذه الأوصاف على عيسى عليه السلام، لأنه لا توجد على كتفه علامة النبوة، ولم يكن اسمه عجيباً فقد سبقه من تسمى بمثل اسمه، ولم يأت بشريعة مستقلة.

 





والمقصود بهذه البشارة الإشارة إلى خاتم النبوة الذي كان على كتفه الشريف، وقد استفاضت كتب السنة والسيرة والدلائل بذكر خبره وصفته، وكذلك القصص والحوادث المتعلقة به كقصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقصة بحيرا الراهب.

 





البشارة الخامسة: قول إشعياء في الفصل العاشر: (هكذا يقول الرب إنك تأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، ومن أرض البادية مسرعاً، مقداً مثل الزعازع من الرياح، ورأينا منظراً رائعاً هائلاً ظالماً يظلم، ومنتهياً ينتهب ... ولتقم السادة والقادة إلى أترستهم، فيدهنوها لأن الرب قال لي: هكذا أمض فأقم الربيئة على المنظرة، ليخبر بما يرى، فكان الذي رأى راكبين: أحدهما راكب حمار، والآخر راكب جمل.. فبينما أنا كذلك إذ أقبل أحد الراكبين وهو يقول: هوت بابل وتكسرت جميع آلهتها المنجورة على الأرض، فهذا الذي سمعت من الرب إله إسرائيل العزيز قد أنبأتكم). ويستنتج من هذا النص الدلالات التالية المؤكدة على أن المعنى بهذه البشارة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :

 





1. أن إشعياء قال: ستأتي من جهة التيمن، من بلد بعيد، من أرض البادية، لئلا يدع حجة لمحتج، لأنه لم يأت أحد بهذه النوبة من أرض التيمن الواقعة في البادية البعيدة عن أرض إسرائيل سوى محمد صلى الله عليه وسلم.

 





2. أنه قال: (هوت بابل وانكسرت جميع آلهتها). ولم تزل الأوثان تعبد في بابل حتى ظهر محمد صلى الله عليه وسلم ، فأطفأ نيرانهم، وهدم أوثانهم، واذعنوا لدين الله طوعاً أو كرهاً.

 





3. إذا كان راكب الحمار ينطبق على المسيح، فليس في الدنيا راكب جمل أولى بهذه النبوة من محمد صلى الله عليه وسلم. وقد أورد المهتدي الإسكندراني النص العبري المتعلق براكب الحمار وراكب الجمل، ثم اتبعه بالترجمة العربية وجاء فيه: (فرأى ركب رديف خيل، ركب رديف حمار، ركب رديف جمل) وقال: هذه حال جيوشه صلى الله عليه وسلم ، خلاف عساكر الملوك، لأن الملوك لا تركب جيوشها مراديف، ولا يركبون الحمير والجمال.

 





أما قوله: (ظالماً بظلم، ومنتهبا ينتهب). فقصد به الإمبراطورية الفارسية والرومانية.

 





البشارة السادسة: قول إشعياء في الفصل السادس عشر: (لتفرح أهل البادية العطشى، ولتبتهج البراري والفلوات، ولتخرج نوراً كنور الشسلبذ، ولتستر وتزه مثل الوعل، لأنها ستعطى بأحمد محاسن لبنان، وكمثل الدساكر والرياض، وسيرون جلال الله عز وجل وبهاء إلهنا) وقد اشتملت هذه البشارة على ذكر بلده وحال أمته، وصرحت باسمه، وتضمنت ما وعدوا به من النظر إلى وجهه تعالى في الآخرة.

 





البشارة السابعة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (هتف هاتف في البدو وقال: خلوا الطريق للرب، وسهلوا لإلهنا السبيل في القفر، فستمتلئ الأودية كلها مياهاً، وتنخفض الجبال انخفاضاً، وتصير الآكام دكا دكاً، والأرض الوعرة ملساء، وتظهر كرامة الرب، ويراه كل أحد، من أجل أن الرب يقول ذلك). ولم تدع أمه من البادية وتكرم هذا التكريم سوى الأمة الإسلامية. وقد أول الطري الجبال والروابي في هذه البشارة على أنهم الملوك والجبابرة، وأن الأودية الواردة هنا حقيقية.

 





ولعل الأولى أن يتم تأويل هذه الأودية على معنى معنوي كما أول الجبال والآكام فيكون المقصود بفيضان الأودية بالماء هو انتشار الإسلام، وإشاعة العلم الشرعي الذي لا تستغني عنه الأمة، كما أنها لا تستغني عن الماء، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما بُعث به بالغيث أصاب الأرض.

 





البشارة الثامنة: قول إشعياء في الفصل التاسع عشر: (من الذي نبه البر من المشرق، ودعاه إلى موطئ قدمه ليسلم إليه الأمم، ويذهل عنه الملوك، ويجعل سيوفه في عدد الثرى .. وقسيه في عدد الحزم المنثورة، فهو يغلبهم ويضرب وجوههم، ثم يحدث سلماً، ولا يطأ برجله سفراً). قال الطبري: (فإن الحجاز والعراق وما ولاها عند أهل الشام مشرق). ومعنى قوله من الذي نبه البر. لعله بمعنى من الذي نبه البار من المشرق، أو لعل المقصود بالبر الإيمان، كما جاء في قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر). أما بقية النص فهو متحقق في النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي سلمت إليه الأمم قيادها، وذهل منه الملوك، وكانت سيوفه بعدد الثرى، وهو الذي تغلب على الكفار وخذلهم، ولم تجتمع هذه الصفات لأحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 





البشارة التاسعة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (يا آل إبراهيم خليلي الذي قويتك، ودعوتك من أقاصي الأرض، ومن نجودها وعواليها، ناديتك وقلت لك: إنك عبدي وأنا اجتبيتك، ولم أستر ذلك، فلا تخف، لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك، وبيميني العزيزة البرة مهدت لك، ولذلك يبهت ويخزي المستطيلون عليك، ويضمحل ويتلاشى الذين يمارونك ويشاقونك، ويبيد القوم المنازعون لك، وتطلبهم فلا تحس منم أثراً، لأنهم يبطلون، ويصيرون كالنسئ المنسي أمامك لأني أنا الرب قويت يمينك، وقلت لك لا تخف، فإني أنا عونك ومخلصك، هو قدوس إسرائيلل، يقول الله الرب: (أنا جاعلك مثل الجرجر الحديد الذي يدق ما يأتي عليه دقاً، ويسحقه سحقاً، وكذلك تفعل أنت أيضاً، تدوس الجبال، وتدقها، وتجعل المدائن والتلال هشيماً تذروه العواصف، وتلوى به هوج الرياح، وتبتهج أنت حينئذ، وترتاح بالرب، وتكون محمداً بقدوس إسرائيل). وقد استبدل أول هذا النص بـ (وأما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته من نسل إبراهيم). كما استبدل آخره بـ (وأنت لتبتهج بالرب بقدوس إسرائيل تفتخر).

 





وقد تقدم في البشارات السابقة أن أرض الحجاز واقعة في أقاصي أرض إسرائيل، أما قوله: (فلا تخف لأني معك، ولا ترهب فها أنا إلهك أيدتك ثم أعنتك). فهو متفق مع قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس). أما قوله: (يبهت ويخزي المستطيلون عليك). فهو متفق مع قوله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين) وقوله: (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) كما أنه متفق مع حال المناوئين له والمخالفين لأمره ممن كانوا أمما أو أفراداً. ومعنى قوله: (تدوس الجبال وتدقها) .. فقد سبق تأويل الجبال بالملوك والجبابرة، وقد سحقوا أمام جيوشه وجيوش أصحابه، وأصبحوا هشيماً تذروه الرياح.

 





وقال المهتدي الطبري: (وإن شغب شاغب فأكثر ما يمكنه أن يقول: إن تفسير اللفظة السريانية هو: أن يكون محموداً وليس بمحمد. ومن عرف اللغة وفهم نحوها لم يخالفنا في أن معنى محمود ومحمد شيء واحد).

 





البشارة العاشرة: قول إشعياء في الفصل العشرين: (إن المساكين والضعفاء يستسقون ماء ولا ماء لهم، فقد جفت ألسنتهم من الظمأ، وأنا الرب أجيب حينئذ دعوتهم، ولن أهملهم بل أفجر لهم في الجبال والأنهار وأجري بين القفار العيون، وأحدث في البدو آجاماً، وأجري في الأرض ماء معيناً، وأنبت في القفار البلاقع والصنوبر والآس والزيتون، وأغرس في القاع الصفصف والسرو البهية، ليروها جميعاً، وليعلموا ويتدبروا ثم يفهموا معاً أن يد الله فعلت ذلك، قدوس إسرائيل ابتدعه) وقد ذهب الطبري إلى أن الألفاظ الواردة في هذه النبوة على حقيقتها، فقال: (فأين لكم يا بني عمي المحيد عن هذه النبوة الواضحة الناطقة؟ وما عسيتم تقولون فيها؟ وقد سمى البلاد ووصف المعاطش والقفار البلاقع، وما فجر فيها من العيون، وأجرى من الأنهار، وغرس فيها من أنواع الأشجار، وسمي العطاش المساكين من أهل البوادي والحجاز..) ولكنني أرى أن المقصود بهذه الألفاظ هي المعاني المجازية التي يمكن تأويل هذه الألفاظ إليها استئناساً بقرينة الحال والواقع، لا أن المقصود بهذه الألفاظ المعاني الحقيقية، يؤكد ذلك أن الأرض التي أشرقت بنور الرسالة المحمدية لا تزال منذ أن سكنها إسماعيل عليه السلام إلى يوم الناس هذا واد غير ذي زرع، كما قال ذلك الخليل عليه السلام، فلم تنعم بالأنهار،ولم تتفجر فيها العيون، ولم تنبت الزيتون والآس. ولعل المراد من قوله: إن المساكين والضعفاء يستسقون ولا ماء لهم أن هذا كناية عن سؤالهم الله أن يغيثهم بالرسالة، ويزكيهم بالكتاب والحكمة وينزل على قلوبهم السكينة والطمأنينة، امتداداً لدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام لما قال – كما أخبر بذلك الله عنه في محكم تنزيله -: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم).

 





وقد أورد المهتدي الشيخ زيادة نصاً عن إشعياء يتضمن أن "دوما" – وهي إحدى البلاد التي عمرها أحد أبناء إسماعيل عليه السلام – تستغيث بلسان حالها إلى الله سبحانه وتعالى أن يرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ليخرجها من الظلمات إلى النور. فعلى ذلك يتيسر تأويل بقية النص الوارد إلى المعاني المجازية، فيكون المراد بالأنهار والعيون، وازدياد الخير والنماء وتبدل حال القفار ... هو انتشار الرسالة، وعموم نور الإسلام، وكثرة العلماء والدعاة الذين يرد إليهم الناس لسؤالهم والاستفادة من علمهم الذي هو للروح كالماء للجسد. وقد يكون من حكمة الله أن تظل هذه النصوص بهذه الألفاظ، لأنها لو وردت ظاهرة لتلقفتها أيدي اليهود النصارى بالتحريف والتغيير.

 





وبناء على ذلك يكون هذا النص – سواء كان ظاهراً أم مؤولاً – دالاً على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه ذكر الضعفاء والمساكين في البادية العطشى بين الجبال والقفار، وقد كانت أمته قبل بعثته على هذه الحال من الضعف والمسكنة والبداوة والسكنى بين الجبال وفي القفار والأودية العطشى.

 





البشارة الحادية عشر: قول إشعاء في الفصل الحادي والعشرين: (لتسبحني وتحمدني حيوانات البر من بنات آوى حتى النعائم، لأني أظهرت الماء في البدو، وأجريت الأنهار في بلد أشيمون، لتشرب منها أمتي المصطفاة فلتشرب منه أمتي التي اصطفيتها) وما ورد في هذه النبوة يؤكد ما جاء في النبوة السابقة، ويؤكد أيضاً تأويل الماء بالرسالة.

 





البشارة الثانية عشر: قول إشعياء في الفصل الثالث والعشرين متحدثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اسمعي أيتها الجزائر، وتفهمي يا أيتها الأمم، إن الرب أهاب بي من بعيد، وذكر اسمي وأنا في الرحم، جعل لساني كالسيف الصارم وأنا في البطن، وأحاطني بظل يمينه، وجعلني في كنانته كالسهم المختار وخزنتي لسره، وقال لي: إنك عبدي. فصرفي وعدلي قدام الرب حقا، وأعمالي بني يدي إلهي، وصرت محمداً عند الرب، وبإلهي حولي وقوتي) قال المهتدي الطبري: فإن أنكر منكر اسم محمد في الباب. فليكن محموداً، فلن يجد إلى غير ذلك من الدعاوي سبيلاً.

 





البشارة الثالثة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين: (هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل للذي كانت نفسه مسترذلة مهانة، ولمن كانت الأمم تستخف به، وأتباع السلطان يهينونه، ستقوم له الملوك إذا رأوه، وتسجد له السلاطين، لأن وعد الله حق، وهو قدوس إسرائيل الذي انتخبك واختارك، وهو الذي يقول أجبتك عند الرضى، وترث تواريث الخرابات، وتقول للأسرى: أخرجوا وانفكوا، وللمحبسين اظهروا وانطلقوا.. ويتوافى القوم من بلد شاسع بعيد: بعض من جهة الجريباء، وبعض من البحر، وبعض من بحر سنيم. فسبحي أيتها السماء، واهتزي أيتها الأرض فرحاً، وابتهجي أيتها الجبال بالحمد، فقد تلاقى الرب شعبه، ورحم المساكين من خلقه) ولم تتحقق هذه المعاني مجتمعة إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أمته قبل بعثته أمة مسترذلة مستضعفة، وببعثته صلى الله عليه وسلم أذعنت لهم الملوك، واستسلمت لهم الجبابرة، وقضوا على الإمبراطوريات القائمة، وحكموا البلاد والعباد.

 





أما قوله: (جعلتك ميثاقاً للشعوب). فهو متفق مع قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) والذي جاء مصدقاً لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).

 





أما قوله: نوراً للأمم. فهو متفق أيضاً مع قوله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون). وقوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) وقوله تعالى: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا).

 





أما قوله: (لتطمئن بك الأرض)، فهو مماثل لقوله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم يذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

 





أما قوله: (وترث ثواريث الخرابات) فتستطيع أن تلمح منه وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف كما في قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم .. ). أما بقية هذه البشارة فهي تصوير لتوافد الأمة الإسلامية في موسم الحج، وإقامة شعائر الله في تلك البقاع الطاهرة المباركة..

 





البشارة الرابعة عشر: قول إشعياء في الفصل الرابع والعشرين مخاطباً مكة وهاجر: (أنا رسمتك على كفي فأسوارك أمامي في كل وقت، وسيأتيك ولدك سراعا، ويخرج عنك من أراد أن يتحيّفك ويخرّبك، فارفعي بصرك إلى ما فوقك، وانظري فإنهم يأتونك ويجتمعون عن آخرهم إليك يقول الله مقسماً باسمه: إني أنا الحي، لتلبسنهم مثل الحلة، ولتتزينين بالإكليل مثل العروس، ولتضيقن عنك قفارك وخراباتك، والأرض التي ألجئوك إليها، وضغطوك فيها من كثرة سكانها والراغبين فيها، وليهربن منك من كان يناويك ويهتضمك، وليقولن لك ولد عقمك: أيتها النزور الرقوب، إنه قد ضاقت بنا البلاد فتزحزحوا وانفرجوا فيها لتتسع في فيافيها، وستحدثين فتقولين: من رزقني هؤلاء كلهم، ومن تكفل لي بهم. وهذه البشارة لا تتطلب الشرح والتعليق لوضوحها، كما أنها لا تقبل أن تؤول على غير مكة أو هاجر، فمن الذي تكفل الله بحمايتها غير مكة؟ ومن الذي تكاثر عددها ونسلها، وضاقت عنهم أرضها، سوى هاجر ؟؟.

يتبع في الجزء الثاني



» تاريخ النشر: 26-11-2009
» تاريخ الحفظ:
» شبكة ضد الإلحاد Anti Atheism
.:: http://www.anti-el7ad.com/site ::.