سلب أو تقييد حق الرجل في الطلاق



سلب أو تقييد حق الرجل في الطلاق

 



 مما يزيد الأمر وضوحاً بتبعية أولئك القوم للغرب ، وانسياقهم وراء حضارته وقوانينه وأفكاره ، ما ينادون به ويطالبون حكوماتهم بتنفيذه من سلب الأزواج حق إيقاع الطلاق بمفردهم ، وجعله في يد القاضي ، بحيث لا يكون للزوج أن ينفرد بإيقاع الطلاق ، ولا للزوجين أن يتراضيا على الطلاق فيما بينهما ، بل لا بد من رفع دعوى أمام القضاء ، وتقتنع المحكمة بوجاهة الأسباب الداعية إلى الطلاق ، تماماً كما تجري عليه القوانين الغربية وبخاصة القانون الفرنسي.

 



 وهم يدّعون أنهم يهدفون بهذا التقييد إلى حفظ حقوق المرأة من أن تنتقص ، وإلى حفظ رباط الزوجية من أن ينفصم لأسباب قد لا تكون من الأهمية بحيث تقطع العلائق الزوجية من أجلها.

 



 وفات هؤلاء أن انفراد الزوج بإيقاع الطلاق بحيث لا يملكه غيره أحد إلا بتوكيل منه أو تفويض منه ، حق أعطاه الله له ، وتشريع شرعه الله سبحانه وتعالى لا يجوز سلبه ، أو الانتقاص منه ، إلا بأمر الشارع ، وبشروطه التي ذكرت في الشريعة ، كما دلت النصوص على ذلك ، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدُّونها) ، وقال تعالى: (لا جُناح عليك إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) ، وقد ورد أنه قال ذلك لما جاءه رجل وقال: يا رسول الله سيدي زوَّجني أَمَتَه وهو يريد أن يفرق بيني وبينها ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ثم صعد على المنبر وقال ذلك.

 



 وهي نصوص صريحة واضحة الدلالة على تولي الزوج وحده إيقاع الطلاق بأمر الله وتشريعه.

 



 والإسلام إنما أجاز تدخل القضاء في هذه الشؤون حينما تدعو إلى ذلك ضرورة كما إذا فات الإمساك بالمعروف ، وامتنع الزوج من التسريح بالإحسان ، فيقوم القاضي بالتفريق بينهما دفعاً للظلم عن الزوجة ، وكذلك في حالة الإعسار بالنفقة أو غيبته غيبة طويلة وطلبت الزوجة التفريق ، أو لأي سبب آخر أعطى فيه الشرع الحق للوالي بتولي التفريق بين الزوجين.

 



 فإذا سُلب الأزواج هذا الحق في جميع الحالات كان ذلك مخالفاً للمقرر في الشريعة وهو لا يجوز.

 



 وجعل الطلاق في يد القاضي كما يريد هؤلاء هو في الواقع حكم على الرجال جميعاً – بغير فرق بين عاقل وسفيه وبين مثقف وجاهل – بأنهم سفهاء ، لا يحسنون التصرف ، ولا يوثق بهم في أخص شأن من شؤونهم ، ومن ثم يجب الحجر عليهم في إيقاع الطلاق ، صيانة لرابطة الزواج من العبث وسوء الاستعمال.

 



 والعجب من أناس أكرمهم الله بالعقل ، وخاطبهم بشرائعه وأحكامه ، وجعلهم أهلاً لكافة التصرفات ، وقُوَّاماً على زوجاتهم وأولادهم ، ثم يأبون هذا التكريم ، ويعلنون أنهم ليسوا موضعاً لهذه الثقة ، ولا أهلاً لهذه القوامة ، وأنهم في حاجة إلى فرض رقابة قضائية عليهم ، عند الرغبة في إنهاء العلاقة بينهم وبين زوجاتهم.

 



 ثم إن ذلك سوف يفشل عند التطبيق أو يحدث المضار والمساوئ أضعاف محاسنه المزعومة.

 



 فقد يكون سبب عدم الوفاق أموراً لا يمكن ضبطها وإثباتها مثل النفور الطبيعي بينهما أو عدم التلاؤم في الأخلاق والطباع ، فإنها أمور نفسية يعسر إثباتها.

 



 فما هي الوسيلة التي يستطيع الزوج بها إثبات بغضه؟ وما هو الميزان الذي يزن به القاضي مقدار البغض الذي يستوجب الطلاق؟ وهل يطلق القاضي حينئذ أم لا يطلق؟ فإن طلق فما الفرق بين طلاقه حينئذ وطلاق الزوج نفسه؟ وإن لم يطلق فإنها لن تكون هناك حياة زوجية مستقرة ، يشعر فيها الزوجان بالسكن إلى بعضهما ، والتعاطف والتراحم فيما بينهما ، ويتربى في ظلها الأبناء تربية سليمة ، والمصلحة تقضي بقطع هذه العلاقة وإنهاء الرباط ، وقد يكون سبب عدم الوفاق أموراً لا يصح إعلانها ، حفاظاً على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها أو مستقبل أبنائها وبناتها ، فإذا فرض على الناس ألا يطلقوا إلا بعد إعلان هذه الأسباب ، أمام المحاكم ، وتقديم الأدلة القاطعة عليها ، واقتناع القاضي بها ، فإنهم بذلك سيكونون أمام خيارين كلاهما مر ،

 



 - إما أن يؤثروا عدم فضيحة أنفسهم وزوجاتهم وأسرهم بإعلان أسباب الطلاق أمام المحاكم ، فيبقوا بذلك على أوضاع تأباها الكرامة ، ويأباها الخلق الفاضل ، وتأباها مصلحة الأسرة نفسها.

 



 - وإما أن يعلنوها فيسجلوا بذلك عاراً كبيراً على أنفسهم ، وعلى أسرهم ، وإذا توعرت طرق الطلاق إلى هذا الحد ، فقد يحمل أحد الطرفين عناده ورغبته في الانفصال على اختلاق تهم ، وإلصاقها بالطرف الآخر لتتم له رغبته ، كما يحدث الآن في الغرب ، وسوف يترتب على هذا أضرار بليغة تلحق بالأسرة بوجه خاص ، وتفسد شؤون التقاضي والنظام الاجتماعي والخلقي بوجه عام.

 



 ومن المساوئ الكبرى أن في حكم الإسلام إذا تلفظ الزوج بكلمة الطلاق فإنه يقع وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد..) الحديث ، ثم ذكر منها: (الطلاق) ، فإذا طلق الرجل امرأته وإن كان مازحاً وأوقع عليها الطلاق وبدون أي موانع فالشرع يوقع الطلاق ويعتبرها طلقة ، ولكن والحالة هذه ورُفع الأمر للقاضي وحكم بعدم جواز الطلاق ، فهل يعيش معها ويعاشرها ولربما تكون امرأته قد بانت منه بينونة كبرى أو صغرى فيعيش معها في الحرام مع العلم أنه طلقها أمام الله أم ماذا يفعل في ظل هذا الحكم المخالف لدين الإسلام.

 



 وأيضاً تقييد الطلاق بهذه القيود الثقيلة سوف يكون سبباً في إغلاق باب الزواج ونفور الناس منه ، لأن من يعرف أنه إذا دخل من باب أغلق عليه لا يدخله أبداً ، وبذلك تشيع الفاحشة وتنحل الأسرة ويستشري الفساد.

 



 ثم إن القوانين الغربية التي يطالبون باستيرادها إلى بلاد الإسلام ، والأخذ بها ، قد أخفقت لدى أصحابها إخفاقاً مبيناً ، في تحقيق الاستقرار العائلي السليم ، فبعض هذه القوانين جردت عقد الزواج مما له من حرمة وجلال وقدسية ، فأباحت الطلاق لأتفه الأسباب ، كما هو الحال في بعض الولايات في أمريكا الشمالية ، والبعض الآخر ضيقت المجال بحيث لم تبحه إلا في حالات محدودة ، وبطرق وإجراءات معقدة كما هو الحال في معظم الأمم الكاثوليكية.

 



 فالقانون الفرنسي مثلاً لا يبيح الطلاق إلا لواحد من ثلاثة أسباب:

 



أحدها: الزنا من أحد الزوجين.

 



وثانيها: تجاوز الحد والإهانة البالغة في معاملة أحد الزوجين للآخر.

 



وثالثها: الحكم على أحد الزوجين بعقوبة قضائية مهينة.

 



 ومع ذلك فإن الطلاق لا يتم إلا بعد إجراءات معقدة ، وتستغرق وقتاً طويلاً ، ونفقات باهظة ، لا يتحملها إلا ذوو الثروة ، ولهذا تهيَّب الناس الطلاق ، وكثر لذلك – في معظم البلاد الغربية – اتخاذ الأزواج للخليلات ، واتخاذ الزوجات للأخلاء ، وهجر الأزواج والزوجات منزل الزوجية ، كما كثر فرار الأزواج مع عشيقاتهم ، والزوجات مع عشاقهن ، وأصبحت هذه الأمور وما إليها في كثير من بلاد أوربا وأمريكا شيئاً عادياً ، وأصبحت الأسرة شيئاً لا قيمة له ، كما أن صلة الأبناء بآبائهم أصبحت موضع الشك وموطن الارتياب.

 



 وقد يقول قائل منهم: إن الإسلام قد أخذ بنظام التحكيم وفيه يتولى الحكمان التحقيق في أسباب الخلاف ، وسماع تلك الأسباب من الزوجين ، ويصدران حكمهما بالطلاق إن رأيا المصلحة في ذلك ، وهذا مماثل لما ننادي به.

 



 ونقول لهم: إن الإسلام قد قرر نظام التحكيم بين الزوجين فيما يشجر بينهما من خلاف ، ولكنه قرره في صورة كريمة نبيلة لا تنطوي على تلك المساوئ التي يسببها تولي القاضي التطليق ، فقد قرر الإسلام أن يتألف مجلس التحكيم من حكمين: حكم من أهل الزوجة ، وحكم من أهل الزوج ، أي رجلين لا يرى كلا الزوجين غضاضة في الإفضاء إليهما بما في نفسيهما ، وبأسباب شقاقهما ، والحكمان من جهة أخرى لا يقلان عن الزوجين في حرصهما على كتمان كل ما يسيء إلى سمعة الأسرة المتخاصمة ، وعدم إذاعته بين الناس ، لأن كل ما يسئ إلى سمعة هذه الأسرة يسئ إلى سمعة الحكمين نفسيهما ، لارتباطهما بهذه الأسرة برابطة القرابة.

 



 ففرق بين هذا وبين ما يحدث في المحاكم ، إذ يتم ذلك على رؤوس الأشهاد علناً ، ويعلمه موظفو المحكمة ويسجل في سجلاتها.

 



 وبعد: فهذه بعض مساوئ الأنظمة والقوانين التي يريد أولئك القوم المفتونون بحضارة الغرب وقوانينها وأنظمتها ، ويريدون تطبيقها في بلاد الإسلام ، وقد وضعت في بلاد ولأمة ليس لها من المقومات والماضي ما لأمتنا وبلادنا ، وليس لها من المبادئ والأخلاق والمثل ما لأمتنا ، فهي غريبة في بلادنا وعن أمتنا وبيئتنا ، وسنفشل عند تطبيقها لو قدر لها أن تطبق – لا سمح الله – ما دامت هذه الأمة تتمسك بدينها ، لأنها تتعارض مع مقومات هذه الأمة الأساسية.

 



 لذا فإن كل من له عقل سليم ، وقد خلا من الغرض والهوى ، لا يستسيغ الأخذ بشيء من هذه القوانين ، ويقبل بصدر رحب استمرار العمل بنظام الإسلام في الطلاق

 




 




تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة