النصارى بين آيات المودة وآيات القتل

النصارى بين آيات المودة وآيات القتل



مما جاء في محاورة النصراني المسلم التي قول المسلم للنصراني : " إننا نحترم دينكم ورسولكم عيسى ....... أي أننا وإياكم أكثر تآلفا من غيرنا قال تعالى : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ  } (المائدة: 82) .



فأجاب النصراني : اقرأ أيضا سورة البقرة 193، 191 وخاصة التوبة 29، التي تحث على قتل هؤلاء النصارى الذين تصفهم بأنهم أكثر مودة .



ــــــــــــــــــــ



ونحن نحاول أن نوضح العلاقة الصحيحة بين المسلمين والنصارى في ضوء الآيات القرآنية عامة سواء الآمرة بقتالهم أو الدالة على قربهم ومودتهم .



وبه يتبين مسلك الغلط في كلا الموقفين المذكورين في صدر الكلام ، فنقول وبالله التوفيق :



بداية نقول إن الإسلام ينكر أي دين آخر أيا كان ويرى أن عدم اعتناق الإسلام هو كفر ومروق، قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين َ} (آل عمران:85)  وهذه المسألة مقطوع بها في دين الإسلام ، فالمسلمون على الحق وغيرهم من الأديان الأخرى على الباطل وإن تفاوتوا فيه.



هذا عن الموقف العقدي تجاه من لم يدخل في دين الله " الإسلام " أما الموقف العملي تجاه كل الكافرين فهو يتدرج، فيبدأ الموقف بالدعوة من غير إكراه للدخول في الإسلام والإيمان به، فإن حصل الإيمان الطوعي كان ذلك غاية المنى . وإن أبوا فالجزية تفرض عليهم لقاء حمايتهم من العدو الخارجي مع صون أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، فإن أبوا فالسيف هو الحكم والفاصل بيننا وبينهم .



فهذا هو موقف المسلمين من الكافرين عموما وإن كان ثم خلاف بين علمائنا حول تمتع غير أهل الكتاب بخيار الذمة .



وهنا يأتي السؤال ألا يتنافى الأمر بقتال النصارى ضمن عموم الكافرين مع ما ورد في شأن النصارى بأنهم أهل مودة وأنهم أقرب إلى أهل الإسلام من اليهود والمشركين ، ونحن نقول لا تنافي بين الأمرين البتة ، ولكن وضع آيات المودة في غير موضعها وإخراجها عن سياقها وتزيد البعض في مدلولها أدى إلى نشوء هذا الفهم الذي يفترض التعارض . ونحن نجلي الأمر من خلال قراءة النص القرآني بسياقه وألفاظه ، فالآيات المقصودة بالحديث جاءت بعد آيات التكفير للمثلثة الذين يؤلهون عيسى عليه السلام ووصفهم بالضلال والإضلال  ، فقال تعالى { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (المائدة:72-73)



ثم دعاهم إلى التوبة فقال سبحانه : { أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المائدة:74)



ثم بين حقيقة المسيح عليه السلام فقال سبحانه : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }(المائدة:75)



ثم أنكر عليهم عبادة من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، ثم وعظهم  في ترك الغلو ، واتباع المضلين من اليهود الذين لعنوا على لسان الأنبياء، وغير ذلك من أوصافهم ، ثم بعد هذا البيان العام ذكر شأن طائفة من النصارى قيل هم من نصارى الحبشة بعثهم النجاشي رضي الله عنه فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن فبكوا وآمنوا ، فهذه التزكية إذا ليست في عموم النصارى الذين يؤلهون المسيح ويؤمنون بالتثليت وهي أمور كفرهم الله بها .



ودعونا نقرأ الآيات المقصودة لنرى بأم أعيننا أنها خاصة كما تدل على ذلك ألفاظها وسياقها ، قال تعالى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } (المائدة:82- 85) فظاهر من الآيات أنها في طائفة خاصة من النصارى قريء عليهم القرآن فبكوا ثم آمنوا ، فوعدهم الله جنات تجري من تحتهم الأنهار ، فتعميم هذه الآيات في جميع النصارى أمر لا يدل عليه السياق القرآني فضلا على أن واقع أكثر النصارى لا يساعد على هذا التوجه .



فبان بنهاية هذا البحث أن لا تعارض بين الأمر بالقتال ومدح طائفة من النصارى آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقته، بل إن الأمر بقتال النصارى يتوافق مع الخطاب القرآني العام بخصوص النصارى وما ورد فيهم من آيات تقضي بكفرهم وغلوهم وضلالهم  .



........................



نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة