ما هو العقل؟

·  ما هو العقل؟ :


1-   قال صاحب اللسان ([1]) ((العقل الحجر والنهي . ضد الحمق والجمع عقول)) وقال ابن الأنباري ((رجل عاقل وهو الجامع لأمره ورأيه)) ((وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها أخذ من قوله قد اعتقل لسانه إذا حبس ومنع الكلام)). ((والعقل التثبت في الأمور. والعقل القلب . والقلب العقل. وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. أي يحبسه. وقيل العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان)) .


قلت: والألفاظ المرادفة للعقل هي : اللب ، الحِجْر، والنُهى، الحلم، الحجى.


·  العقل في القرآن :


ليس لإسم العقل وجود في كتاب الله العزيز وإنما يوجد ما تصرف منه نحو :


‌أ-               عقلوه : وردت في موضع واحد من القرآن .


‌ب-         تعقلون : وردت في أربعة وعشرين موضعاً من القرآن .


‌ج-          نعقل: وردت في موضع واحد من القرآن.


‌د-             يعقلها : وردت في موضع واحد من القرآن .


هـ- يعقلون : وردت في اثنتين وعشرين موضعاً من القرآن .


·  العقل في الحديث النبوي :


لا يكاد يوجد لفظ العقل المصدر في كلام النبي e في حديث صحيح إلا في مثل الحديث الذي في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال : خرج رسول الله e في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال : ((يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار)) فقلنا: وبم يا رسول الله؟ قال : ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) . قلنا : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ فقال : ((أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟)) قلنا : بلى. قال : ((هذا من نقصان عقلها)). قال : ((وإذا حاضت لم تصل ولم تصم)) . قلنا : بلى. قال : ((فهذا من نقصان دينها)) ([2]).


وبالنظر في الأحاديث الوارد فيها ذكر (العقل) نجدها ثلاثة أنواع:


1-           قسم ورد فيه العقل بمعنى الدية وهذا لا يدخل في بحثنا.


2-   قسم ورد فيه لفظ العقل بصيغة الفعل ومثال ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي e قال : رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه – أو قال المجنون – حتى يعقل وعن الصغير حتى يشب([3]).


3-   قسم ورد فيه لفظ العقل بصيغة المصدر وهو المقصود هنا كما في حديث أبي سعيد السابق . وأما غيره من الأحاديث فقد ضعفها العلماء كما سيأتي


·  العقل عند العلماء :


قال القاضي أبو يعلى ((العقل ضرب من العلوم الضرورية وهو مثل العلم باستحالة اجتماع الضدين وكون الجسم في مكانين ونقصان الواحد عن الاثنين)) ثم ذكر تعريفات بعض العلماء له فقال : ((وقال أبو الحسن التميمي.. العقل ليس بجسم ولا صورة ولا جوهر وإنما هو نور فهو كالعلم. وقال أبو محمد البربهاري : وليس العقل باكتساب وإنما هو فضل من الله)) ((وقال بعضهم : قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات . وقال أبو بكر بن فورك : هو العلم الذي يمتنع به من فعل القبيح. وقال بعضهم ما حسن معه التكليف)) ثم قال أبو يعلى ((ومعنى ذلك كله متقارب ولكن ما ذكرناه أولى لأنه مفسر وهو قول الجمهور من المتكلمين)) .


       وعن أحمد بن حنبل رحمه الله قال : ((العقل غريزة)) قال القاضي ((ومعنى قوله غريزة أنه خلق لله تعالى ابتداءً وليس باكتساب للعبد خلافاً لما حكي عن بعض الفلاسفة أنه اكتساب)) ([4]) .


       وقال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله ((اختلف الناس في العقل ما هو فقيل هو العلم وقيل بعض العلوم الضرورية وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات)) ([5]).


       وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني ((وقال بعضهم العقل على ثلاثة أوجه عقل مولود مطبوع وهو عقل ابن آدم الذي به فضل على أهل الأرض وهو محل التكليف والأمر والنهي وبه يكون التدبير والتمييز .


       والعقل الثاني: ((عقل التأييد الذي يكون مع الإيمان معاً. وهو عقل الأنبياء والصديقين وذلك تفضل من الله تعالى . والعقل الثالث : هو عقل التجارب والعبر وذلك ما يأخذه الناس بعضهم من بعض)) ([6]) .


       قلت: والشاهد من قوله : العقل الأول.


 


       وقال ابن الجوزي ((إن أعظم النعم على الإنسان العقل. لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل))([7]).


       وقال النسفي ((هو قوة للنفس بها تستعد للعلوم والادراكات)) ([8]).


       وقال شيخ الإسلام ((العقل في لغة العرب يتناول العلم والعمل بالعلم جميعاً ومن أهل الكلام من يجعله اسماً لنوع من العلم فقط فيقول هو نوع من العلوم الضرورية ومن الناس من يريد به العمل بالعلم كما ذكره أبو البركات . وقد يراد بالعقل القوة التي في الإنسان وهي الغريزة التي بها يحصل له ذلك العلم والعمل به ولهذا كان في كلام السلف كأحمد والحارث المحاسبي وغيرهما اسم العقل يتناول هذه الغريزة)) ([9]) .


       وقال في موضع آخر ((العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلاً وهو أيضاً غريزة في الإنسان فمسماه من باب الأعراض)) ([10]) . وقال ((العقل قد يراد به القوة الغريزية في الإنسان التي بها يفعل وقد يراد به نفس أن يعقل ويعي ويعلم فالأول قول الإمام أحمد وغيره من السلف : العقل غريزة والحكمة فطنة. والثاني قول طوائف من أصحابنا وغيرهم : العقل ضرب من العلوم الضرورية . وكلاهما صحيح فإن العقل في القلب مثل البصر في العين يراد به الإدراك تارة ويراد به القوة التي جعلها الله في العين يحصل بها الإدراك. فإن كل واحد من علم العبد وإدراكه، ومن علمه وحركته حول . ولكل منهما قوة ولا قوة إلا بالله)) ([11]) .


       قلت:هذه بعض تعريفات العقل عند علماء المسلمين تُفيد في مجملها بأن العقل غريزة قد وهبها الله سبحانه وتعالى لمخلوقه (الإنسان) ليتميز بها عن غيره من المخلوقات في إدراك عالمه الذي يحيط به أو إن شئت فقل ((هو ملكة في النفس تستعد بها للعلوم والإدراكات)) ([12]) مستعيناً بمجموعة من الحواس التي تشكل نافذة له على هذا العالم الرحيب ومعتمداً في أعماله على عدة ملكات وهبها الله للإنسان ليستقيم بها عمل العقل، حصرها بعض العلماء في خمس ملكات هي:


1-           ملكة الإرادة .


2-           ملكة الإدراك .


3-           ملكة الاستنتاج .


4-           ملكة الحافظة .


5-           ملكة الذاكرة ([13]).




.................................................

([1]) مادة (عقل)



([2]) البخاري (1/116) ومسلم (1/86) .



([3]) صحيح أبي داود (3701) بعدة ألفاظ . وانظر الإرواء (2/5) .



([4]) العدة في أصول الفقه (1/83-86)


     وانظر : الأحياء 1/117 وكشاف الاصطلاحات 4/1027 والحدود للباجي 31 والتعريفات 157 والمسودة 556 وغيرها وكلها لا تخرج عما ذكرت .



([5]) شرح النووي على مسلم (2/68) .



([6]) الحجة في بيان المحجة (1/320).



([7]) تلبيس إبليس (3) .



([8]) نقلاً عن: العقل في مجرى التاريخ (30) .



([9]) الصفدية (2/257) .



([10]) الرد على المنطقيين (196) .



([11]) الاستقامة (2/161) .



([12]) العقل في مجرى التاريخ (10) .



([13]) العقل والنفس والروح – الوائلي (115) .


.................................................


من كتاب :نقض أصول العقلانيين


كتبه / سليمان بن صالح الخراشي


 




تاريخ الاضافة: 30-12-2009
طباعة