أسباب دخول الشوائب على المفاهيم والتعاليم الإسلامية وعلاجها

أسباب دخول الشوائب على المفاهيم والتعاليم الإسلامية وعلاجها

من كتاب :

  صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

  تأليف

  عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني

       بعض الأسباب التي أدت إلى دخول الشوائب على المفاهيم والتعاليم الإسلامية قد سبقت الإشارة إليها في غضون تتبُّع الشوائب وصورها ، وبطريقة تأملية عامة جامعة تنكشف لنا طائفة من هذه الأسباب .

        وأعرض فيما يلي أسباباً عشرة مع طرق علاجها فيما ظهر لي :

        * السبب الأول – الجهل وفتور الهمة عن تفهم التعاليم الإسلامية الصحيحة :

       وعلاج هذا السبب يكون بقيام أهل الرأي وأصحاب الرشد في كل بلد من بلاد المسلمين برسالة التعريف بالإسلام الصافي ، وفق الخطة التي سلف الحديث عنها ، لا سيما في البلاد التي يوجد فيها منتسبون إلى الإسلام ، ولكن ليس لديهم من يعرّفهم بالإسلام الصحيح ، وهم في شوق إلى معرفته ، وأمثال هؤلاء يسهل على المضلين أن يفسدوا مفاهيمهم الإسلامية .

       ولتحقيق هذا العلاج لا بد من تآزر القوى الفكرية والمالية والإدارية مع الدعاة المعرّفين بالإسلام الحق .

        * السبب الثاني – اتباع الهوى :

       وهذا السبب يدفع صاحبه أن يُدخل في التعاليم الإسلامية ما ليس منها ، إرضاء لهواه .

        ولقد تكون جريمته أخف إذا هو أرضى هواه عن طريق المعصية ، ولكنه يريد أن تظل سمعته الدينية حسنة بين الناس ، فهو يحاول أن يجد لعمله مبرراً ، فيدخل في التعاليم الإسلامية الشوائب التي ترضي هواه ، ثم يتستر وراءها حذراً من سخط الناس ونقمتهم ، وينسى أو يتناسى أن نقمة الله أشد عليه وأقسى من نقمة الناس .

        يضاف إلى ذلك أن نقمة الله في التلاعب بالدين أشد كثيراً من نقمته في المعصية التي يقترفُها العاصي ، وهو يعترف بها .

        وعلاج هذا السبب يكون بإصلاح النفس عن طريق إثارة الخوف من الله ، وحسن مراقبته ، وملاحظة الأجر العظيم لأهل طاعته ، مع تربية دينية رصينة ، ورقابة اجتماعية حصينة ، ويكون أيضاً بتبصر المتصدين للفتاوى الدينية بالمزالق التي يضعها أهل الأهواء .

        * السبب الثالث – الغلو في الدين غير الحق:

       وهذا السبب مناقض للذي قبله ، فهو يمثل جانب الإفراط ، في حين أن الذي قبله يمثل جانب التفريط .

        والغلو في الدين يفضي إلى تشددُّات منفِّرة ، وتعنُّتات ومبالغات لا يرضاها الدين ولا يقبلها ، بل يتنافى معها ، فالدين يسر سمح ، وهو دين الفطرة ، والغلوّ في الدين ينافي سماحته ويسره ، وينافي ملاءمته للفطرة الإنسانية ، وفي كلام الرسول صلوات الله عليه "هلك المتنطعون" وهم المغالون في الدين .

        ومن الغلو في الدين ادعاء أن التفصيلات المبينة في النصوص الإسلامية مشتملة على كل تنظيم ضروري لكل زمن وبيئة ، وطبيعي أن يؤدي هذا الغلو إلى التخلف رغم السبق العظيم الذي كان يتمتع به المسلمون في عصورهم الذهبية .

        أما أن الأسس الإسلامية تتسع في مفاهيمها العامة لكل التنظيمات الصالحة لكل زمان وبيئة فهذا هو الحق الذي لا غلو فيه .

        * السبب الرابع – النظر الضيِّق المحدود ، الذي يلازمه النظر إلى جوانب خاصة معينة من الإسلام ، واعتبارها هي الإسلام كله :

        ومن الطبيعي أن يسيء هذا النظر الضيق المحدود إلى المفاهيم الإسلامية الشاملة إساءة بالغة ، ويفضي إلى تعظيم الأمور الصغيرة وتهويل شأنها ، وإلى تصغير الأمور الكبيرة وتهوين شأنها .

        وعلاج هذا السبب يكون بحركة تبصير كلي شامل عام للتعاليم الإسلامية ، وإعطاء كل حكم منها حقه صفة ومقداراً وأهمية بالنسبة إلى سائر التعاليم .

        ويضاف إلى ذلك ضرورة بيان الخطر الذي ينجم عن انعدام النظرة الشاملة إلى التعاليم الإسلامية الصحيحة .

        * السبب الخامس – الجمود :

        والجمود يفضي إلى تقييد التعاليم الإسلامية في حدود تطبيقات زمن معين ، وبيئة معينة ، جموداً عن ظواهر بعض النصوص أو التطبيقات الزمنية ، مع أن أسس التعاليم الإسلامية واسعة على قدر اتساع قضايا الحياة ومشكلاتها ، وهي صالحة لكل زمن وبيئة ، وملائمة للفطرة الإنسانية .

        وفهم هذه الحقيقة يحتاج إلى نسبة طيبة من التبصر والوعي والأناة وسعة الصدر .

        * السبب السادس – التحلل :

        وهذا السبب يقع في الطرف المباين للسبب السابق وهو مناقض له .

       والتحلل يفضي إلى الخروج على التعاليم الإسلامية ، أو المروق منها وطرحها والأخذ بتنظيمات وضعية إنسانية ، بدعوى أن بعض التعاليم الإسلامية لم تعُد تصلح للحياة المتطورة .

        ومن التحلُّل الجزئي المرونة المفرطة المسرفة التي تتسع في نظر أصحابها اتساعاً يجعل التعاليم الإسلامي ألعوبة في أيدي الماكرين .

        وربما يكون كل من الجمود والتحلل رد فعل للآخر ، إلا أن المنهج الوسط بينهما هو الحق ، ولهذا المنهج الوسط حدود لا يصح تجاوزها ولا تضييقها .

        * السبب السابع – الفتنة بكل جديد قبل أن يوضع موضع الاختبار والتجربة ، خلال أمد كاف لهما :

        وهذا السبب يفضي إلى الانسياق الأرعن وراء كل ناعق مزين شعاراته بالأصباغ والألوان والصور الخادعة للنظر ، مع أنها جوفاء من الخير ، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَله العذاب .

        وعلاج هذا السبب يكون بيقظة حذرة ، ودراسة واعية ، أو يكون بعد ذلك بصدمة موقظة ، أو خيبة أمل مخزية .

        * السبب الثامن – التعصب لكل قديم مهما كان شأنه ، ولو كان مخالفاً للحقيقة البينة ، ولأسس التعاليم الإسلامية الصحيحة الصافية :

        وهذا السبب يقابل السبب السابق له ، وهو على النقيض منه .

        وعلاج هذا السبب يكون بالرجوع إلى أسس التربية الإسلامية التي تأمر بالاعتصام بالحق ، والبعد عن كل تعصب ذميم .

        * السبب التاسع – الأنانية التي تولّد الإعجاب الشديد بالرأي ، وتولِّد التعصب والفردية في الأعمال ، وتشتت الشمل ،وتفرّق الكلمة:

        مع أن الإسلام يدعو إلى وحدة العمل الجماعي ، واطِّراح الأنانيات الشخصية والحزبية والإقليمية والعرقية والمذهبية والعنصرية ، ويدعو إلى تعاون العاملين الإسلاميين ، وإن اختلفت بينهم الآراء الفردية ، فمصلحة الإسلام وجماعة المسلمين فوق الجميع .

        وتعاونهم يكون بأن يتعاونوا فكرياً على فهم الحقيقة ، وبأن يتعاونوا عملياً على مقدار نقاط التلاقي بينهم ، وذلك إذا لم يتيسر ما هو خير منه ، وهو التعاون الفعلي في كل الأمور على البر والتقوى .

        * السبب العاشر – ما يكيده أعداء الإسلام من مكايد ، ويدخل تحت هذا السبب صور كثيرة ، وهي ظاهرة لا تحتاج إلى بيان وتفصيل:

        وحين نلاحظ أن أعداء الإسلام اختاروا لأنفسهم سبيل الكفر بالله خالقهم ورازقهم يتضح لنا أن كل عمل يمارسونه لتشويه الإسلام إنما هو من ذيول الكفر ، ولكن على المسلمين أن يكونوا بصيرين بدسائس أعدائهم . وبصيرين بالمرابض التي يترصد فيها هؤلاء الأعداء للانقضاض الظالم الآثم على الإسلام والمسلمين .

        هذا إجمال ما ظهر لي من أصول عامة للتشويهات التي دخلت على مفاهيم المسلمين عن الإسلام ، وأسبابها الكبرى ، والله أسأل أن يلهم أهل الفكر والغيرة في جميع بلاد المسلمين أن يعملوا على تنقية مفاهيم المسلمين للتعاليم الإسلامية من كل الشوائب الدخيلة على الأصل النقي الصافي ، حتى تصبح هذه التعاليم الصحيحة قوة دافعة إلى المجد العظيم الذي لن يحتله غير المسلمين الآخذين بالإسلام عقيدة وشريعة ، فكراً وعملاً ، كما كانت هذه التعاليم في حقبة سالفة من تاريخ المسلمين .

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة