صراع من أجل قضيّة الإيمان بالله

صراع من أجل قضيّة الإيمان بالله

والفكر الدّيني الصّحيح حَوْلها

من كتاب :

 

  صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

 

  تأليف

 

  عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني

 

 

          تحت عنوان "الثقافة العلمية وبؤس الفكر الديني" أثار الناقد (د. صادق جلال العظم) حول الدين عدة موضوعات سماها "مشكلات" ومن هذه الموضوعات عقيدة الإيمان بالله تعالى.

          مع أن الملحدين جميعاً في سالف الدهر وحاضره ، لم يستطيعوا مجتمعين ولا متفرقين ، أن يقدموا أية حجة منطقية أو واقعية مقبولة عند العقلاء تثبت عدم وجود خالق لهذا الكون .

          وقد قرأنا ما كتبه هذا الملحد وما كتبه غيره من أساطين الإلحاد ، فلم نجد لديهم دليلاً واحداً صحيحاً ينفي وجود الخالق جل وعلا ، رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها للإقناع بمذهبهم ، بل لم نجد في كل ما كتبوه دليلاً واحداً يقدم ظناً بعدم وجود الخالق ، فضلاً عن تقديم حقيقة علمية في هذا الموضوع ، جل ما لديهم محاولات للتشكيك بعالم الغيب ، والتزام بأن لا يثبتوا إلا ما شاهدوه من مادة بالوسائل العلمية المادية ، وهذا الارتباط بحدود المادة التي لم يشهد العلم حتى العصر حاضراً إلا القليل منها إن هو إلا موقف يشبه موقف الأعمى الذي ينكر وجود الألوان لأنه لا يراها ، أو موقف الأصم الذي ينكر وجود الأصوات لأنه لا يسمعها ، أو موقف الحمقاء حبيسة القصر التي ترى أن الوجود كله هو هذا القصر الذي تعيش فيه ، لأنها لم تشاهد في حياتها غيره .

 

          فما حظ هؤلاء من العلم والأمانة العلمية ومطابقة الحقيقة والواقع؟

 

          كذلك الملحدون لاحظ لهم من العلم والأمانة العلمية ومطابقة الحقيقة والواقع ، إذ ينكرون الخالق جل وعلا ، ويُصرون على إنكاره ، وهم لا يملكون دليلاً واحداً على نفي وجوده .

 

          قد يستخدمون عبارات ضخمة ، يستغلون فيها أسماء التقدم العلمي والصناعي وتطور مفاهيم العصر ، والبحوث العلمية في المعامل والمختبرات ، للتمويه بها ، وتضليل الأذهان المراهقة ، مع أن التقدم العلمي والصناعي لم يتوصل بعد إلى قياس شيء من عالم الغيب ، بل ما زال عاجزاً حتى الآن عن قياس أمور كثيرة داخلة في العالم المادي ، الذي هو مجال كل أنواع التقدم العلمي الذي انتهت إليه النهضة العلمية الحديثة .

 

          فالمعامل والمختبرات والأجهزة العلمية المتقدمة جداً ما زالت عاجزة عن أن تقيس أشياء كثيرة في هذا العالم المادي الذي نشاهد ظواهره ، بشهادة كبار العلماء الماديين أنفسهم ، وبدليل تجدد المعارف والمكتشفات يوماً بعد يوم ، ومتى زعم العلم الإنساني أنه اكتشف كل شيء فقد سقط في الجهل ، وأجهز على نفسه بنفسه منتحراً .

 

          يضاف إلى ذلك أن العلماء الماديين من بعد كل دراساتهم ومشاهداتهم وملاحظاتهم المادية يحاولون تفسير ما شاهدوه من ظواهر بنظريات استنتاجية ، يقررون فيها حقائق غير مرئية وغير مشاهدة ، وهي بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أدواتهم ما زالت أموراً غيبية ، ومع ذلك فإنهم يضطرون إلى إقرارها والتسليم بها ، ويجعلونها قوانين ثابتة يقولون عنها : إنها قوانين طبيعية .

 

          ومن أمثلة ذلك قانون الجاذبية ، إنه قانون غدا من الحقائق العلمية الطبيعية لدى العلماء الماديين.فما هي حقيقة هذه الطاقة ؟ هل باستطاعة العلماء أن يشاهدوها بأدواتهم وأن يعرفوا كنهها؟ وكيف أثبتوها؟

 

          ألم يثبتوها بالاستنتاج العقلي استناداً إلى ما شاهدوه من ظواهرها وآثارها؟ هذه هي الحقيقة .

          فما بال هؤلاء الملاحدة يسلمون بهذه القوانين الخارجة عن نطاق المشاهدات المادية ،وهي بالنسبة إلى حواسهم وإلى الأدوات العلمية المتقدمة أمور غيبية ، ثم ينكرون وجود الخالق جل وعلا لمجرد كونه خارجاً عن نطاق الإدراك الحسي ، ولا يمكن التواصل إلى إدراكه بالأجهزة العلمية المتقدمة؟

 

          مع أن مئات الأدلة العقلية والاستنتاجية تثبت ضرورة وجود خالق عظيم لهذا الكون ، بيده مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير .

 

          أليس هذا من المفارقات التي لا تستقيم مع البحث العملي والأمانة العلمية ؟

 

          إذا لم تصل أدلة الإثبات لديهم إلى مستوى اليقين ،ألم ترجح لهم هذه الأدلة احتمال وجود الخالق على عدم وجوده ؟ إنها مهما تكن من وجهة نظرهم فهي أقوى حتماً من الاحتمال الآخر الذي هو احتمال النفي ، فكيف يأخذون باحتمال النفي دون دليل ، ويرفضون احتمال الإثبات ومعه الأدلة الكثيرة ، ثم يسعون جاهدين لمحاربة الإيمان بكل ما لديهم من قوة؟

 

          لماذا يعادون من خلقهم كل هذا العداء؟

          أهذا جزاء الإنعام والإكرام؟

          ألم يتحرك فيهم حس أخلاقي للاعتراف بوجوده؟

          ألم ترجف قلوبهم خوفاً من عقابه الذي أعلنه على ألسنة رسله؟

          ألم يفترضوا أن يكون الأمر حقاً؟

          فبماذا يعتذرون يوم الحساب والجزاء؟

 

          هل يكون عذرهم كافياً ومقبولاً إذا قالوا لربهم يوم الحساب : إنك يا إلهنا وربنا وخالقنا لم ترينا نفسك حتى نؤمن بك؟

 

          ألا تسقط حجتهم هذه حينما يقول الله لهم : ألم أمنحكم عقولاً تستنبطون بها وجودي من آياتي التي بثثتها في كوني وفي أنفسكم؟ ألم أرسل لكم رسلاً مؤيدين بالآيات من عندي فأبلغوكم عني ؟ فلماذا كذبتموهم؟ إنني لم أضع في كوني أية حجة تقنع أحداً بعدم وجودي ، فلماذا جحدتم وجودي ، ولا حجة لكم في ذلك إلا اتباع الهوى ، والاستكبار عن الإيمان بي ، والرغبة بالتحرر من أوامري ونواهيّ وشريعتي لعبادي؟

 

          عندئذ لا بد أن تسقط حجتهم وينقطعوا ، وعندئذ يعلمون علم اليقين أنهم كانوا في الغرور يتقلبون ، وفي جهالتهم وضلالتهم يعمهون ، وأنهم كانوا يجحدون ربهم من غير أن يكون لهم دليل به يعتذرون .

 

          ويومئذ لا تنفعهم أحزابهم ، ولا أئمة الشر الذين كانوا يزينون لهم الكفر بالله وجحود آياته .

 

          لست أدري ما هي الثمرة التي يستفيدونها في حياتهم من إنكارهم لخالقهم ، حتى يدفعوا بأنفسهم إلى موقع خطر كبير جسيم ، يعرِّضون فيه أنفسهم لشقاء أبدي وعذاب لا ينقطع؟

 

          إن إلحادهم لا يفيدهم شيئاً في حياتهم الدنيا ، وما هو إلا مذهب عنادي ، فليتحملوا إذن جريرة عنادهم .

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة