حول الشهب

حول الشهب

 

من كتاب :

      صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

      تأليف

      عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

 

          قال (د. العظم) (52) من كتابه:

          "كما أن علماء الفلك (وليس التنجيم) سوف يجدون بعض الصعوبة ، لا شك ، في التوفيق بين معلوماتهم العلمية عن النيازك والشهب من ناحية وبين الآيات القرآنية التي تعلمنا أن الشهب هي لرجم الشياطين والجن ، حين تحاول الصعود إلى السماء واستراق السمع (أي: الاستماع إلى أحاديث الملائكة) من ناحية ثانية . لكن أصحاب الفكر التوفيقي عودونا دوماً على إطلاق الأحكام الشاملة والتعميمات البديعة بدون التدقيق بالمسائل المحددة التي تحرجهم وتحرج دعواهم".

 

          تعليقاً على هذه الفقرة من كلامه نرى أنه من المستبعد جداً أنه لم يطَّلع بعدُ على مكتوبات الباحثين المسلمين المؤمنين بالله وكتابه ، الذين لم يقتروا على مجرد إطلاق التعميمات الشاملة البديعة ، التي تعلن وجود التوافق التام بين الصحيح الثابت من المفاهيم الإسلامية ، وبين الحق الثابت من النظريات العلمية ، بل تابعوا معظم المسائل بالدراسة والبحث والمناقشة للموضوعات بشكل موضوعي محدد .

 

          ولكن شأن الآخذين بالمذهب الإلحادي محاولة طمس الحقائق ، وطرح المغالطات والمفتريات ، واستغلال أقوال بعض أصحاب المقالات ، والأقوال العامة التي يطلقها الباحثين المسلمين بصفة عرضية غير مقصودة ، وإلقاء الستور على سائر البحوث العلمية الرصينة التي تتناول كل جزئية بالبحث والدرس والتحقيق ، بغية إيهام الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين أن المسلمين لا يملكون غير إصدار الأحكام التقريرية والتعميمات الخطابية .

 

          أما ما أثاره حول موضوع الشهب فإننا نجد أنفسنا بالنسبة إليه أمام قضيتين:

          القضية الأولى : تتناول الجانب المادي المدروس من الشهب .

 

          القضية الثانية : تتناول الجانب الذي لم يصل العلم بعد إلى اكتشافه ودرسه .

 

          وكل من هاتين القضيتين تتطلب نظراً خاصاً .

 

          أما القضية الأولى التي تتناول الجانب المدروس من الشهب فلا يبدو فيها تناقض بين ما أعلنه أو أشار إليه القرآن ، وبين ما توصل إلهي العلم بالبحث المادي والدراسة النظرية ، وليتبين لنا هذا الأمر لا بد من عرض النصوص القرآنية في هذا الموضوع ، ومقارنة ما جاء فيها بما يقوله العلماء الماديون ذوو الاختصاص في هذا الموضوع أيضاً .

 

          فمن النصوص القرآنية في هذا الموضوع قول الله تعالى في سورة (الحجر/15 مصحف/54 نزول):

 

          {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُل شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ}

 

          ومنها قول الله تعالى في سورة (الصافات/37 مصحف/56 نزول):

          { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}

 

          ومنها قوله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول):

          {وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ}

 

          ومنها قوله تعالى في سورة (الجن/72 مصحف/40 نزول):

          {وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً}.

 

          فهذه نصوص قرآنية تحدثت عن الشهب ، وفيها من الدلائل المادية التي يمكن للعلم المادي أن يدرسها ويكتشفها ما يلي:

 

          1- وجود (شهب) ظاهرة تنقض ، وحينما تنقض باتجاه الأرض تكون ثاقبة ملتهبة مضيئة .

 

          2- وجود (رجوم) أي : قطع من الحجارة مصدرها النجوم أو الكواكب ، وهذه النجوم والكواكب هي المصابيح التي زين الله بها السماء الدنيا ، أما الرجوم (وهي الحجارة) فقد نشرت في السماء مع الحرس الذين ملئت بهم السماء ، وهذه الحجارة المختلفة الحجوم تنطلق شهباً مُبِينةً ثاقبة .

 

          3- إن هذه الرجوم المنبثة في السماء (أي في الفضاء العالي) لم تكن قبل بعثة محمد ، ثم وجدت بعد ذلك .

 

          هذه هي عناصر القضية الأولى ، وهي القضية المادية التي يمكن أن تقارن بالعلم المادي وما توصل إليه من معارف في هذا الشأن .

 

          ولدى المقارنة نجد أن العلماء الماديين يقولون ما يلي:

 

          1- يقولون عن انتشار الكتل الصخرية والحجرية ذات الأحجام المختلفة والتراكيب المختلفة ، والتي يسمونها بالمتيورات وبالنيازك ، وهي منتشرة في السماء فوق الغلاف الأرض ما يلي:

 

          إن الهواء الجوي يحمينا من أسلحة السماء المخيفة ، فأسرع مقذوفاتنا النارية ينطلق خلال الهواء بسرعة أقل من نصف ميل في الثانية ، على حين يندفع خلال الفضاء العالي عدد لا حصر له من المتيوارت الحديدية المختلفة الأحجام ، من حجم الهباء إلى حجم جبل عظيم ، بسرعة هائلة تختلف من عشرين إلى مئة ميل في الثانية .

 

          فمن هذا نلاحظ أن النصوص الدينية قد قررت هذه الحقيقة ، قبل أن تكتشفها الوسائل الإنسانية للبحث العلمي ، ويوم كان العلم الإنساني جاهلاً بوضع السماء .

 

          2- يقول العلماء الماديون : إن أصل هذه النيازك من الكواكب والنجوم ، وهذا عين ما أشار إليه القرآن .

 

          يقولون : إن النجوم يحدث فيها انفجارات من قوت لآخر ، وبقوة هائلة ، فيطير منها في كل انفجار مئات الأطنان من التراب الناعم ، ثم يتجمع بعضه على بعض فتتكون منه النيازك والمذنبات .

 

          3- ويقول العلماء الماديون عن حالات حدوث هذه الرجوم في السماء وتكاثرها بين حين وآخر:

 

          "إن مذنب بيلا ظهر منشقاً إلى جزئين في عام (1846م) ثم ظهر هذان الجزءان في عام (1852م) على صورة مذنبين منفصلين ، ثم اختفيا بعد ذلك ، وظهرت بدلاً منهما جموع حاشدة من متيورات مضيئة صغيرة في جو الأرض".

 

          أليست هذه الرجوم التي مصدرها نجوم السماء وكواكبها ، وقد حدثت في فترة نعرفها ، وهذا يقرِّب إلى التصور ما حدث في عصر الرسالة المحمدية .

 

          من كل هذا يتبيَّن لنا أن الحقائق العلمية المادية تتفق مع ما جاء في القرآن ، وهذا ما يتعلق بالقضية الأولى .

 

          وأما القضية الثانية وهي كون الشهب رجوماً للشياطين تلاحقهم وتحرقهم ، فهذه لم يتوصل العلم المادي إليها ، لأنها خارجة عن دائرة اختصاصه ومدى وسائله ، فهو لا يستطيع من عنده أن يثبتها ولا يستطيع أن ينفيها ، ويجب عليه بالنسبة إليها أن يترك الحديث عنها إلى ما يقرره الدين ، وما ثبت فيه بالنصوص الصحيحة القاطعة .

 

          فكان الأولى بالعظم حول هذا الموضوع أن يعتصم بالصمت إذا لم يشأ أن يذعن للدين

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة