« تابع : عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة »






تابع : عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة

من كتاب :

      صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

      تأليف

      عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

 

(ب) العقوبات المؤجلة:

 

          الجزاء المؤجل إلى ما وراء ظروف هذه الحياة الدنيا هو الجزاء الأكبر ، وربما يدخر الله لبعض الناس كل جزائهم فينالون كل نصيبهم من هذا الجزاء الأكبر .

 

          ولما كان البحث عن واقع هذا الجزاء المؤجَل من أمور الغيب التي لا يستطيع العقل المجرد أن يتحكم في صورها وأشكالها أو يحكم على مراحلها ، لأن بينها وبين العقل حجاب الزمان والمكان ، كان المرجع فيها النصوص الدينية الصحيحة ومفاهيمها المقبولة .

 

          وقد دلت النصوص الدينية الصحيحة على أن أنواع العقاب المؤجل تبدأ منذ فترة الموت فما بعد الموت ، ثم يكون عقاب أشد في يوم الحساب ، وهي المدة التي تكون بعد البعث إلى الحياة الجسدية مرة أخرى ، وتستمر حتى إصدار الأحكام النهائية ،ثم يكون العقاب الأشد الأكبر في دار العذاب التي أعدها الله للمجرمين .

 

          فهي مراحل ثلاث:

          أولاها: مرحلة البرزخ ، وهي المدة الفاصلة بين الحياتين الماديتين .

 

          ثانيتها: مرحلة يوم الحساب ، وهي تكون بعد البعث وقبل دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار .

 

          ثالثها: مرحلة دار الجزاء الأكبر .

 

          وفي هذه المراحل الثلاث أيضاً يتلقى المؤمنون المتقون أنواعاً من ثوابهم ، وثوابهم الأكبر يكون في المرحلة الأخيرة ، إذ يدخلهم الله جنته .

 

          * عقاب الكافرين في المرحلة الأولى:

          لقد دلت النصوص الإسلامية دلالة صريحة على وجود عقاب للكافرين في المرحلة البرزخية التي تبدأ بالموت ، وتستمر حتى يبعثهم الله إلى الحياة الجسدية مرة أخرى .

 

          والموت إنما هو انفصال الروح عن الجسد ،ومفارقتها له ،كما يخلع لابس الثوب ثوبه .

 

          لقد قص الله علينا طرفاً من قصة موسى مع فرعون وآل فرون ومن آمن من آل فرعون ، ثم ختم ذلك بقوله في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول):

          {فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ * ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ }.

 

          الضمير في {فوقاه الله سيئات ما مكروا} يعود على الرجل الذي آمن من آل فرعون ، فوقى الله مؤمن آل فرعون سيئات ما مكر آل فرعون ، ونزل بفرعون وآله سوء العذاب من الله ، وجاء تفسير سوء العذاب هذا بيان عرضهم على النار غدواً وعشياً ، وهذا العرض على النار واضح أنه يكون في مدة البرزخ بين الموت والبعث بدليل قول الله تعالى عقب ذلك {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.

 

          فدل هذا على أن عرضهم على النار غدواً وعشياً يكون قبل قيام الساعة ، أي : قبل البعث . ثم بعد البعث يحاسبون ويقال لملائكة العذاب : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .

 

          وفي أقوال الرسول نصوص كثيرة تثبت ما في هذه المرحلة من نعيم وعذاب .

 

          أما كون عذاب الروح أو نعيمها في هذه المدة ذا صلة بالأجساد الميتة أو البالية أو غير ذي صلة بها فلا شأن لنا به ،وقدرة الله لا يُعجزها شيء تتعلق به مشيئته سبحانه ، على أنه يكفي لتحقيق ما دلت عليه النصوص بالنسبة إلى هذه المرحلة أن يكون العذاب والنعيم للروح ولو لم يكن للروح أية صلة بأبدانها .

 

          * عقاب الكافرين في المرحلة الثانية:

          علمنا أن هذه المرحلة تبدأ بالبعث إلى الحياة بعد الموت للحساب والجزاء الأكبر .

 

          وقد دلت النصوص الإسلامية على أن هذه المرحلة تشتمل على عذاب الموقف الطويل ، في حر شمس دانية من رؤوس الخلائف ، ولا ينجو منه إلا المؤمنون الذين أكرمهم الله بأن يستظلوا في ظل عرش الرحمن يومئذٍ ، يوم لا ظل إلا ظله ، وتكون درجة عذاب هذا الموقف مناسبة لحال الواقف وكفره وكثرة معاصيه شدة وضعفاً ، ويستمر هذا الموقف زمناً يعلمه الله ، حتى يتمنى الكافرون أن يقضى عليه بعذاب جهمنم ، لينصرفوا إليها وينتهوا من موقف الحساب .

 

          وفي هذا الموقف أو في مرحلة من مراحله يعرض الذين كفروا على النار دار عذابهم ، ويقال لهم مع هذا العرض : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها؟! فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ، وفي بيان هذا يقول الله تعالى في سورة (الأحقاف/46 مصحف/66 نزول):

          {وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}

 

          ويقال لهم بعد عرضهم على النار : أليس هذا بالحق ؟ فيقولون: بلى وربنا . ولكن هذا الاعتراف يومئذٍ لا ينفعهم ، لأنهم يعترفون بما يشهدون ،وهم عليه معروضون وإليه واردون ، ولذلك يقال لهم : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وهذا ما بينه الله بقوله في سورة (الأحقاف/46 مصحف/66 نزول):

          {وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}

 

          وحين يرون العذاب قريباً منهم تكون حالتهم حالة من علم مصيره المحتوم ، فغلى فؤاده بالألم ، وظهرت المساءة على وجهه ، وفي بيان هذا يقول الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول):

          {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ}

 

          أي: هذا الذي كنتم به تكذِّبون ، إذ كنتم بسببه أو في موضوعه تدعون الأباطيل والأكاذيب .

 

          وحين يعرضون على النار يساقون إليها زمراً بحسب أنواع كفرهم وظلمهم ، أو بحسب كتلهم وزمرهم في الدنيا ، وفي بيان هذا بقول الله تعالى في سورة (الزمر/39 مصحف/59 نزول):

          {وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ * قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ }.

 

          إنهم يؤمرون بالدخول ، وليس الدخول أمراً سهلاً ، فمن الطبيعي أن يحجموا ، لذلك فهم يدعون دعَّاً فيُدفعون بشدة ، مهانين مُذَلِّين ، قال الله تعالى في سورة (الطور/52 مصحف/76 نزول):

          {إِنَّ عَذَابَ رَبكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذبِينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

 

          وهذا الدَّع إلى جهنم لا بد أن ينتهي إلى كبكتهم فيها على وجوههم كالركام الذي يقذف بعضه على بعض ، قال الله تعالى في سورة (النمل/27 مصحف/48 نزول):

          {وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}

 

          وقال تعالى في سورة (الشعراء/26 مصحف/47 نزول):

          {وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}

 

          وبعد هذا الدعِّ وبعد الكبكبة في النار لا بد أن يباغتوا بمس النار فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ، قال الله تعالى في سورة (الأنبياء/21 مصحف/73 نزول):

          {لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }

 

          فمسُّ النار يأتي مباغتاً ، والدفع يأتي بعد إحجام ، والأمر بالدخول يأتي قبل ذلك والله أعلم .

 

          * عقاب الكافرين في المرحلة الثالثة:

          وهي مرحلة دخولهم دار العذاب ، وقد جاء في نصوص القرآن لمحات تفصيلية لألوان العذاب في جهنم ، إلا أن معظم النصوص تحدثت عن عذاب جهنم وشدته وشدة إيلامه بشكل عام.

 

          * وفيما يلي طائفة من النصوص التي تتحدث عن عذاب الكافرين في النار بشكل عام:

          1- فمنها قول الله تعالى في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول):

          {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآياتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}

 

          فوصف العذاب هنا بأنه مهين ، أي فيه إهانة شديدة لهم وإذلال بالغ جزاء كبرهم واستعلائهم .

 

          2- ومنها قول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):

          {وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

 

          فهم أصحاب النار ، وهم خالدون فيها لا يخرجون منها .

 

          3- ومنها قول الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):

          {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ}

 

          فجاء وصف العذاب هنا بأنه عذاب شديد .

 

          4- ومنها قول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):

          {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً}

 

          ففي هذه الآية بيان أن جلود الكافرين المعذبين في نار جهنم كلما نضجت واحترقت وانقطع إحساسها خلق الله لهم جلوداً غيرها ، ليذوقوا العذاب المتجدد.

 

          5-ومنها قول الله تعالى في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):

          {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ}

 

          فقد جاء وصف النار هنا بأنها جحيم ، أي مؤججة مضرمة شديدة الحرارة .

 

          6- ومنها قول الله تعالى في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):

          {لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

 

          فجاء وصف العذاب هنا بأنه عذاب أليم .

 

          7- ومنها قول الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول):

          {وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ * وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ * فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ }

 

          وفي هذا النص وصف شهيق جهنم وفورانها من شدة حرها كأنها تتميز من الغيظ ، وفيه بيان أن أصحاب النار يلقَون فيها أفواجاً أفواجاً ، ولا يقذفون فيها دفعة واحدة ، وفيه بيان أن كل فوج يسأله خزنة جهنم من الملائكة فيقولون له : ألم يأتكم نذير؟ فيقولون: بلى ، ويعترفون بذنبهم ويتحسَّرون على أنفسهم . وهذا تطبيق ما جاء في قوله تعالى : {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} ، فما من فوج كافر يدخل النار إلا يُسأل هذا السؤال : ألم يأتكم نذير؟ فيقولون : بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما أنزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير.

 

          * أما النصوص التي جاء فيها مزيد من تفصيل عقاب الكافرين في هذه المرحلة الثالثة الأخيرة فكثيرة ، ونستعرض فيما يلي طائفة منها مقتبسين ما فيها من تفصيلات:

 

          1- لقد جاء في القرآن بيان شراب الكافرين في جهنم فقال الله تعالى في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول):

          {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}

 

          فلهم شراب من حميم ، أي : شراب من ماء حار يغلي . 

 

          2- وجاء في القرآن بيان طعامهم وشرابهم فيها ، فقال الله تعالى في سورة (الدخان/44 مصحف/64 نزول):

          {إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ * كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ * إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ }

 

          وقال تعالى في سورة (الواقعة/56 مصحف/46 نزول):

          {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضآلُّونَ ٱلْمُكَذبُونَ * لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ من زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ * هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدينِ }

 

          وقال تعالى في سورة (الصافات/37 مصحف/56 نزول):

          {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً للظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلينَ * فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ }

 

          فمن هذه النصوص يتبين لنا أن طعامهم في دار العذاب من شجر فيها من زقوم ، وأن شرابهم على هذا الطعام من الحميم .

 

          والزقوم شجر منتن الراحئة مرُّ الطعم كالمهل[1] ، ينبته الله في أصل الجحيم / وإذا أكله آكله غلى في بطنه كغلي الحميم ، وطَلع[2] هذا الشجر كأنه رؤوس الشياطين ، ولكن الكافرين يجدون أنفسهم في دار عذابهم مضطرين لأن يأكلوا من شجر الزقوم ، فيملؤوا بطونهم منه ، ثم بعد ذلك يسرعون فيشربون وهم ظامئون من الحميم ، لكن الحميم لا يطفئ شدة ظمئهم ، وما يغلي في بطونهم ، فيستزيدون ويستزيدون ويشربون شرب الهيم ، والهيم هي الإبل التي يصيبها د اء يقال له : داء الهُيَام ، فهي تشرب ولا تروى .

 

          ثم يُعتَل الكافر ويؤخذ إلى سواء الجحيم ، ثم يصب فوق رأسه من عذاب الحميم ، ويقال له على سبيل الإهانة والإذلال : ذق إنك أنت العزيز الكريم.

 

          ولهم أيضاً طعام آخر من غسلين ، وهو في كلام العرب ما يخرج من الأشياء المستقذرة كالجراحة ونحوها عند غسلها ، قال الله تعالى في سورة (الحاقة/69 مصحف/78 نزول):

          {فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ}

 

          3- وجاء في القرآن بيان لباسهم في دار عذابهم ، إن لهم ثياباً خاصة من نار ، تُقطَّع لهم على مقادير أجسادهم ، قال الله تعالى في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول):

          {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ}

 

          فللكافرين ثياب من نار مقطعة مفصلة على مقادير أجسامهم ، ويعذبون بسائل يغلي من شدة حرارته ، يصب من فوق رؤوسهم فيصهر به ما في بطونهم ، وتصهر به جلودهم ، ويحاولون الخروج من عذابهم وغمهم ، فتلاحقهم ملائكة العذاب بمقامع[3] من حديد ، فيضربونهم ، ويعيدونهم في العذاب ، ويقولون لهم : ذوقوا عذاب الحريق .

 

          4- وجاء في القرآن بيان ما يوضح في أعناق الكافرين من أغلال حامية يعذبون بها في دار عذابهم ، فقال الله تعالى في سورة (سبأ/34 مصحف/58 نزول):

          {...وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}

 

          وقال تعالى في سورة (الرعد/13 مصحف/96 نزول):

          { أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ}

 

          5- ويعذب الكافرون في النار بسلاسل محمية يسلكون فيها ، طول كل واحدة منها سبعون ذراعاً ، قال الله تعالى في سورة (الحاقة/69 مصحف/78 نزول):

          {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ * مَآ أَغْنَىٰ عَني مَالِيَهْ * هَّلَكَ عَني سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ }

          6- وجاء في البيانات القرآنية أن عذاب الكافرين في نار جهنم عذاب دائم لا نهاية له ، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا ، بل حياتهم فيها مستمرة ، وعذابهم فيها لا ينقطع ، كما أنه لا يخفف عنهم من عذابها ، قال الله تعالى في سورة (فاطر/35 مصحف/43 نزول):

          {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ * إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ}

 

          فهم يدعون ربهم وهم في نار جهنم أن يعيدهم الله إلى دار الابتلاء ليؤمنوا ويعملوا صالحاً ، ولكن الله لا يستجيب إلى طلبهم هذا ، ويقول لهم : "أولَم نعمركم؟" أي: أولَم نجعل لكم في دار الابتلاء عمراً كافياً لاختباركم وامتحانكم ، فأصررتم على كفركم وعنادكم ، ويقول لهم أيضاً: "وجاءكم النذير" ، أي: وقد جاءكم رسول فأنذركم عاقبة كفركم فكذبتم وعصيتم .

 

          على أنهم لو ردوا إلى دار الابتلاء لعادوا لما نُهوا عنه ، ألمح إلى هذه الحقيقة قول الله تعالى في النص : {إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور}، فهو يعلم ما تنطوي عليه صدورهم من كبر وعناد ، فلو أعيدوا إلى دار الابتلاء لعادوا إلى اختيار الكفر على الإيمان ، لأن إعادتهم حينئذٍ سيرافقها محو ذكريات العذاب في نار جهنم ، فترجع إليهم حينئذٍ نفسيتهم الأولى المستكبرة المعاندة ، ويعودون سيرتهم الأولى ، وليست المقادير ألعوبة في أيدي المتشهِّين المتلاعبين ، وصرَّح بهذه الحقيقة أيضاً قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):

          {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذبَ بِآيَاتِ رَبنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}

 

          ففي هذا النص تصريح بأنهم لو ردوا إلى دار الابتلاء لعادوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب ، إلا أن تمنيهم العودة إلى دار الابتلاء هنا يكون حينما يوقفون على النار ، ويشاهدون دار عذابهم ، بينما نجد في النص السابق أن طلبهم العودة إلى دار الابتلاء يكون بعد دخولهم النار ، وتقلبهم في ألوان عذابها .

 

          ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضاً إذا جاءه الموت وعلم منزله من العذاب ، عندئذٍ يسأل ربه أن يرجعه إلى الحياة ليؤمن ويعمل صالحاً ، ولكن طلبه يرفض لانتهاء زمن امتحانه ، وفي بيان ذلك يقول الله تعالى في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول):

          {حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}

 

          ففي هذا النص بيان طلبهم الرجعة إلى الحياة الدنيا عند موتهم ، رجاء أن يعملوا صالحاً ، فيرفض طلبهم .

 

[1] المهل : المعدن المذاب ، أو دردري الزيت ، أو القيح والصديد .

[2] الطلع: : نور النخلة ، وهو أول ما يطلع من ثمرها .

[3] المقامع : قضبان يضرب بها للقمع .

          وفيه أيضاً بيان أنهم يطلبون هذا الطلب حينما تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ، إذ يقولون : ربنا أخرجنا منها ، فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر والتكذيب فإنا ظالمون ، فيقول الله لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، أي : ابتعدوا مطرودين مُذَلِّين مهانين .

 

          ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضاً وهو في موقف الحساب ، وقد دلَّ على ذلك قول الله تعالى في سورة (السجدة/32 مصحف/75 نزول):

          {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِني لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

 

          ومن جملة هذه النصوص يتضح لنا أن الكافرين يطلبون الرجعة إلى دار الابتلاء أربع مرات .

 

          الأولى : عند موتهم ومشاهدتهم منازلهم في دار العذاب .

 

          الثانية : في موقف الحساب إذ يقفون عند ربهم ناكسي رؤوسهم .

 

          الثالثة : عندما يعرضون على النار بعد الحساب ، ويرون ما في النار من عذاب .

 

          الرابعة : حينما يكونون في نار جهنم وهم يذوقون ألوان عذابها الأليم .

 

          وفي كل هذه المرات يُرفض طلبهم ، وترد عليهم تمنياتهم .

 

          7- وجاء في القرآن بيان أن الكافرين الذين ماتوا وهم كفار لا يغفر الله لهم ، ولا يقبل منهم فدية ، إنهم قد ختموا حياتهم في دار الابتلاء بالكفر والعناد وتحدي الحقيقة الإلهية الكبرى ، وقضي الأمر ، فلا رجعة ولا استئناف ولا غفران ولا فدية .

 

          إن عفو الله وغفرانه يوم القيامة من المنح التي يختص الله بها عصاة المؤمنين ، فلا يكون للكافرين منها نصيب .

 

          أما في الدنيا فباب العفو والغفران مفتوح لهم إن آمنوا ، فإذا ماتوا مصرين معاندين فقد قطعوا بأيديهم عن أنفسهم حبل الرجاء ، وقد أعلن الله لهم وهم في الحياة الدنيا أنه لن يغفر لهم إذا ماتوا وهم كفار ، ولن يقبل منهم أية فدية ، على أنهم يومئذٍ لا يملكون فدية يقدمونها .

 

          دلَّ على ذلك قول الله تعالى في سورة (محمد/47 مصحف/95 نزول):

          {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ}

 

          وقول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):

          {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً}

 

          وقول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):

          {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً}

 

          فمن هذه النصوص القرآنية تتضح لنا القاعدة الإلهية العامة في الغفران ، وهي أن الله لا يغفر ذنب الكافر به أو الإشراك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فالأمر بالنسبة إلى الذنوب الواقعة في مجال احتمال الغفران منوط بمشيئة الله تبارك وتعالى .

 

          ولا طريق للكافرين والمشركين الذين ماتوا من قبل أن يتوبوا إلا طريق جهنم خالدين فيها ، قال الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول):

          {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً}

 

          أما عدم قبول الفدية منهم فقد دل عليه قول الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):

          {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}

 

          وقول الله تعالى في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول):

          {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}

 

          ويظل الكبر ملازماً لهم حتى رؤية العذاب ،لذلك فهم يخفون ندامتهم .

 

          وقول الله تعالى في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول):

          {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

 

          وهكذا تؤكد النصوص أن الكافرين في الآخرة محرومون من فضل المغفرة بسبب كفرهم ، وأنهم لا سبيل إليهم إلى فداء يفتدون به ، وأنهم لا نصير لهم ، وأنهم لا مخرج لهم من العذاب .

 

 



» تاريخ النشر: 26-11-2009
» تاريخ الحفظ:
» شبكة ضد الإلحاد Anti Atheism
.:: http://www.anti-el7ad.com/site ::.