« المادية وحدها لا تكفي »










المادية وحدها لا تكفي



كتبها: ايرفنغ وليام نوبلوتشي


أستاذ العلوم الطبيعية – حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أيووا – أخصائي الحياة

البرية في الولايات المتحدة – أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميشيغان منذ سنة

1945 – أخصائي في وراثة النباتات ودراسة شكلها الظاهري.





يميل بعض المشتغلين بالعلوم – في ظل ثقتهم الكبيرة بإمكانياتها – إلى الاعتقاد

بان العلوم قادرة على حل جميع المشكلات. فالحياة من وجهة نظرهم ليست الا مجموعة من

القوانين الطبيعية والكيماوية التي تعمل في مجال معين وقد أخذ هؤلاء يفسرون

الظواهر الحيوية المختلفة الواحدة تلو الأخرى تفسيرات تقوم على إدراك السبب

والنتيجة والوجود من وجهة نظرهم لا يستهدف غاية، وسوف ينتهي الأمر بعالمنا إلى

الزوال عندما ينضب معين الطاقة الشمسية وتصير جميع الأجسام هامدة باردة، تبعا

لقوانين الديناميكية الحرارية.


ويلخص بيرتراندراسل هذه النظرة المادية المتطرفة فيقول: (ليس وراء نشأة الانسان

غاية او تدبير، ان نشأته وحياته وآماله ومخاوفه وعواطفه وعقائده، ليست الا نتيجة

لاجتماع ذرات جسمه عن طريق المصادفة. ولا تستطيع حماسته او بطولته او فكره او

شعوره ان تحول بينه وبين الموت. وجميع ما قام به الانسان عبر الأجيال من أعمال فذة

وما اتصف به من ذكاء واخلاص مصيره الفناء المرتبط بنهاية المجموعة الشمسية. ولابد

ان يدفن جميع ما حققه الانسان من نصر وما بناه من صروح المدنية تحت أنقاض هذا

الكون. ان هذه الامور جميعا حقائق لا تقوى فلسفة من الفلسفات على انكارها).


ولكن العلماء ليسوا جميعا ممن يعتقدون في قدرة العلوم على كل شيء حتى تستطيع ان

تجد تفسيرا لكل شيء، فالعلوم لا تستطيع ان تحلل الحق والجمال والسعادة، كما انها

عاجزة عن ان تجد تفسيرا لظاهرة الحياة او وسيلة لإدراك غايتها، بل ان العلوم أشد

عجزا عن أن تثبت عدم وجوده.





ان العلوم مهتمة بتحسين نظرياتها، وهي تحاول ان تكشف عن كنه الحقيقة، ولكنها

كلما اقتربت من هذين الهدفين زاد بعدها عنهما. ان فكرتنا عن هذا الكون قائمة على

أساس حواسنا القاصرة وعلى استخدام ما لدينا من الأدوات غير الدقيقة نسبيا. ويقول

العالم الطبيعي والكاتب اللامع (أوليفر وندل) في هذه المناسبة: (كلما تقدمت العلوم

ضاقت بينها وبين الدين شقة الخلاف، فالفهم الحقيقي للعلوم يدعو إلى زيادة الايمان

بالله).


ان العلوم لا تستطيع ان تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها

والتي لا يحصيها عد، وهي التي تتكون منها جميع المواد، كما لا تستطيع العلوم ان

تفسر لنا بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي

تكون الحياة. ولاشك ان النظرية التي تدعي ان جميع صور الحياة الراقية قد وصلت إلى

حالتها الراهنة من الرقي بسبب حدوث بعض الطفرات العشوائية والتجمعات والهجائن،

نقول ان هذه النظرية لا يمكن الأخذ بها الا عن طريق التسليم، فهي لا تقوم على أساس

المنطق والاقناع.


حقيقة ان العلوم تقوم على اساس الايمان بالحواس والوسائل، وليس على اساس الايمان

بالسلطة والاحتمالات او المصادفة. وعلى ذلك فاننا نستطيع ان نقول بان العلوم

والدين يقومان على اساس مشترك هو الايمان. والفرق بينهما هو ان العلوم تستطيع داخل

دائرتها الخاصة ان تختبر قوانينها بالملاحظة والتجربة والمراجعة، فهي بذلك تحاول

ان تتلافى كثيرا من الأخطاء التي قد تقع فيها.





والايمان بالدين تدعمه الاكتشافات العلمية. وقد أيدت العلوم فعلا كثيرا من

النبوءات التي جاءت بها الكتب المقدسة. ولاشك ان العلوم سوف تكشف في المستقبل عن

صحة كثير من الامور الاخرى التي وردت في تلك الكتب والتي لم يصل اليها(1) علمنا

بعد. فعلم الفلك مثلا يشير إلى ان لهذا الكون بداية قديمة، وان الكون يسير إلى

نهاية محتومة، وليس مما يتفق مع العلم ان نعتقد ان هذا الكون أزلي ليس له بداية او

أبدي ليس له نهاية، فهو قائم على أساس التغير. وفي هذا الرأي يلتقي الدين بالعلم.


والعلوم بحكم طبيعتها المادية اعجز من أن تبحث عن الله بطرقها المادية او ان تدرك

كنه ذاته تعالى، ولكن ملاحظة عجائب هذا الكون قد دعت كثيرا من علماء الفلك الأمناء

إلى الاعتقاد بانه لابد ان يكون لهذا الكون باتساعه الفسيح ونظامه المعجز، مدبر لا

نراه، ولا نستطيع ان ندرك كنهه. وقد قال تشادوالش: ( ان ما يطالب إلى اي انسان،

سواء أكان مؤمنا ام ملحدا، هو ان يبين لنا كيف نستطيع المصادفة ان تخلق هذا

الكون). ولا شك ان هذه طريقة من طرق التحدي الذي يقصد به الاستدلال على وجود الله.

اما توماس ميللر فيتبع أسلوبا آخر أكثر عمقا من ذلك، حين يقول: (ان ما يستطيع ان

يدركه العقل البشري الفاني عن الله، لابد ان يكون نتيجة خبرة ومعرفة بالله.

والخبرة لا بد ان تأتي اولا، اما المعرفة فانها تأتي بعد الخبرة وتكون مجرد تفسير

لها).


__________


(1) - (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون) سورة الأنبياء، آية 37.





اما بالنسبة إلى نفسي بوصفي أحد المشتغلين بالعلوم،

فانني لا أستطيع ان انفي قوانين المصادفة(1)، لانني المس نتائجها في كثير من أامور

حياتنا اليومية. ولا أستطيع كذلك ان ارفض النظريات المادية رفضا باتا لان نجاح

المشتغلين بالعلوم يتوقف على مدى وصولهم إلى تفسيرات طبيعية للظواهر العويصة التي

يدرسونها.



ولكني أؤمن بوجود الله. انني اعتقد في وجوده سبحانه لأنني لا أستطيع ان أتصور ان

المصادفة وحدها تستطيع ان تفسر لنا ظهور الإلكترونات والبروتونات الأولى او الذرات

الأولى او الأحماض الأمينية الأولى او البروتوبلازم الأول او البذرة الأولى او

العقل الأول. انني اعتقد في وجود الله لان وجوده القدسي هو التفسير المنطقي الوحيد

لكل ما يحيط بنا من ظواهر هذا الكون التي نشاهدها.


» تاريخ النشر: 18-09-2010
» تاريخ الحفظ:
» شبكة ضد الإلحاد Anti Atheism
.:: http://www.anti-el7ad.com/site ::.