« اسمه أحمد »






 د. جمال الحسيني أبوفرحة
  أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
  
gamalabufarha@yahoo.comEmail
 
- كيف يكون لرسولنا– صلى الله عليه وسلم- أكثر من اسم؟!
 
- ولما كانت بشارة عيسى عليه السلام بأحمد لا بمحمد؟!
 
 فلقد سمي رسولنا – صلى الله عليه وسلم- أربع مرات في القرآن الكريم بـ "محمد" في كل من: سورة آل عمران:144، والأحزاب:40، ومحمد:2، والفتح:29؛ وسمي مرة واحدة بـ "أحمد" في سورة الصف:6، على لسان المسيح عليه السلام في قوله تعالى: "ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".
 
وقبل الإجابة عن هذين السؤالين نتوقف قليلا أمام هذين الاسمين لنتعرف على معناهما والفرق بينهما.
 
فـ "محمد": اسم مفعول من الفعل الرباعي (حمّد)- بتشديد الميم- والذي يدل على التكثير والمبالغة في الحمد.
 
أما "أحمد": فيأتي على ثلاثة معان:
 
الأول: فعل مضارع؛ والفعل المضارع يدل على الاستمرار والتجدد.
 
الثاني: أفعل تفضيل في كونه محمودًا: بمعنى أنه الأحق بأن يكون محمودًا.
 
الثالث: أفعل تفضيل في كونه حامدًا: بمعنى أنه الأكثر حمدًا.
 
ومن هنا يمكننا أن نقول إن اختيار المسيح عليه السلام لهذا الاسم "أحمد" دون اسم "محمد" الذي اشتهر به النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها له وجاهته من الناحية اللغوية؛ وإن كان هذا الجانب وحده لا يكفي.
 
وتتعزز تلك الوجاهة إذا علمنا أن المسيح عليه السلام كان من المعروف عنه – كما تروي الأناجيل- محبة تلقيب أحبابه بألقاب جديدة يرى فيها دلالة صادقة على صفات تميزهم عن غيرهم؛ فها هو عليه السلام كما يحكي مرقس في إنجيله "جعل لسمعان اسم بطرس – أي: الصخر- ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخا يعقوب ....جعل لهما اسم بوانرجس- أي: ابني الرعد".
 
أضف إلى ذلك أنه كان من المعتاد قديمًا قبل أن يكون هناك ما يسمى بشهادة الميلاد التي يسجل بها اسم المولود الذي قد يكتسب اسمًا آخر بعد ذلك ؛ فيسمى الأول "اسمه الحقيقي" ويسمى الثاني"اسم الشهرة" – في تصوري- كان يمكن للشخص أن يطغى اسم شهرته حتى يتلاشى اسمه الأول أو يضعف، كما أنه لا مانع من أن يكون للشخص الواحد اسمان ؛ وخاصة إذا اقتربا من بعضهما في اللفظ والمعنى كأحمد ومحمد، وخاصة في ظل مثل تلك البيئة البدوية الأمية. 
 
ومن اللافت للنظر هنا، والذي يجعل الأمر يخرج من دائرة رد الشبه إلى الحديث عن دلائل نبوته – صلى الله عليه وسلم- أن المسيح عليه السلام كما يحكي "إنجيل يوحنا" كان آخر ما أوصى به تلامذته في نهاية العشاء الأخير – الإيمان بالبراقليطوس أو البريقليطوس؛ على ما بين علماء المسيحية وعلماء الإسلام من خلاف حول تهجئة هذه الكلمة؛ فرأى علماء المسلمين أنها "البريقليطوس" وهي كلمة يونانية معناها: "أحمد"؛ أما الأصل العبري أو الآرامي الذي نطق به المسيح – عليه السلام- فضاع؛ ورأى علماء المسيحية أنها البراقليطوس وهي كلمة يونانية معناها: المواسي أو المعزي؛ أي رأوها صفة لمنتظر لا اسمًا لشخص، ولكن بقاء هذا اللفظ اليوناني كما هو دون ترجمة له في كثير من التراجم عن اليونانية إلى غيرها من لغات العالم فإنما يدل على أن أصحاب هذه الترجمات فهموا أن المقصود بهذا اللفظ اسم شخص لا صفة له؛ أضف إلى ذلك أن بقية الأوصاف التي ذكرها المسيح عليه السلام للبريقليطوس والتي لا يتسع مقامنا هنا للحديث عنها لا تنطبق تاريخيًا إلا على محمد– صلى الله عليه وسلم؛ راجع: إنجيل يوحنا الأصحاح الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، وانظر في تفصيلات ذلك كتابنا "النبي الخاتم..هل وجد؟..ومن يكون؟.
 
ومن الجدير بالذكر هنا أن وصية المسيح هذه بالإيمان بالبريقليطوس فهمها كثير من رجال الدين المسيحي كما فهمها علماء الإسلام، وكانت سببًا في إسلامهم، نذكر من هؤلاء قديمًا القس "إنسلم تورسيدا" في القرن الخامس عشر الميلادي والذي تسمى بعبد الله الترجمان، وحديثًا القس "دافيد بنجامين كلداني" – رئيس الكنيسة الكلدانية سابقًا- والذي تسمى بعبد الأحد داود وألف كتابًا من عيون كتب البشارات سماه "محمد كما ورد في كتاب اليهود والنصارى".    
 
ومن هنا يتبين لنا اتفاق القرآن الكريم الذي استخدم اسم"أحمد" على لسان المسيح، مع طبيعة شخصية المسيح عليه السلام الذي أثر عنه محبة تلقيب أحبابه بألقاب جديدة كما سبق بيانه، مع اختيار علماء المسلمين لتهجئة كلمة البريقليطوس التي تعني "أحمد" والتي أوصى المسيح عليه السلام  وأكد بنص إنجيل يوحنا على الإيمان بمن تشير إليه هذه الكلمة، مع طبيعة البيئة البدوية الأمية التي لا تمانع في أن يكون للشخص الواحد أكثر من اسم.
 
ولقد كانت هذه البشارة منطلقًا للعديد من المزاعم الكاذبة والادعاءات الباطلة؛ فقد تلقفها جل من تسمى بأحمد من أدعياء النبوة داخل مجتمعاتنا الإسلامية وادعى أنه هو المقصود بالبشارة.
 
ولعل أشهر هؤلاء الأدعياء كان"ميرزا غلام أحمد القادياني" مؤسس الديانة القاديانية في الهند، ومن قبله ادعى ذلك قديمًا "أحمد بن فانوس" وغير هذين الدعيين هناك كثيرون لا يتسع لذكرهم مقامنا. 
 
وكأني بهؤلاء الأدعياء يتناسون أنهم يستشهدون على مزاعمهم تلك بالقرآن الكريم الناص على عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية في العديد من الآيات القرآنية كقوله تعالى "ولكن رسول الله وخاتم النبيين" الأحزاب:40، وقوله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" المائدة:3؛ - والنازل على محمد – صلى الله عليه وسلم- الذي أكد على تلك العقيدة في كثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة؛ كقوله – صلى الله عليه وسلم- "إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي" رواه الترمذي وأحمد، وكقوله "لا نبي بعدي" رواه البخاري ومسلم وغيرهما؛ والذي بين في أكثر من حديث أن من أسمائه– صلى الله عليه وسلم- أحمد؛ كقوله – صلى الله عليه وسلم- "أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي ....الخ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، كما بين أنه عليه الصلاة والسلام هو بشارة عيسى عليه السلام؛ كما في قوله – صلى الله عليه وسلم- "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" رواه الحاكم في المستدرك وأحمد في المسند. 
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
-------------------------------------------------------------
 المملكة العربية السعودية- المدينة المنورة- جامعة طيبة- كلية المجتمع- ص.ب:2898 ت:0508628894
 


» تاريخ النشر: 26-11-2009
» تاريخ الحفظ:
» شبكة ضد الإلحاد Anti Atheism
.:: http://www.anti-el7ad.com/site ::.