ج 7:الرد على شبهات تقديم العقل على النقل(أن يقولوا الأنبياء أوهموا وخيلوا ما لا

ج 7:الرد على شبهات تقديم العقل على النقل(أن يقولوا الأنبياء أوهموا وخيلوا ما لا حقيقة له في نفس الأمر)

من كتاب :نقض أصول العقلانيين

كتبه / سليمان بن صالح الخراشي

الوجه العشرون: أن يقال: غاية ما ينتهي إليه هؤلاء المعارضون لكلام الله ورسوله بآرائهم، من المشهورين بالإسلام، هو التأويل أو التفويض أو الرد فأما الذين ينتهون إلى أن يقولوا الأنبياء أوهموا وخيلوا ما لا حقيقة له في نفس الأمر، فهؤلاء معروفون عند المسلمين بالإلحاد والزندقة .

والتأويل المقبول : هو ما دل على مراد المتكلم، والتأويلات التي يذكرونها لا يعلم أن الرسول أرادها، بل يعلم بالاضطرار في عامة النصوص أن المراد منها نقيض ما قاله الرسول، كما يعلم ذلك في تأويلات القرامطة والباطنية من غير أن يحتاج ذلك إلى دليل خاص.

وحينئذ فالمتأول إن لم يكن مقصوده معرفة مراد المتكلم، كان تأويله للفظ بما يحتمله من حيث الجملة في كلام من تكلم بمثله من العرب، هو من باب التحريف والإلحاد، لا من باب التفسير وبيان المراد.

وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن، وحضّنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟.

وأيضاً، فالخطاب الذي أُريد به هدانا والبيان لنا، وإخراجنا من الظلمات إلى النور، إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر، ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك، فعلى التقديرين لم نخاطب بما بيّن فيه الحق، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر.

وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا: أنه لم يبيّن الحق، ولا أوضحه، مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبيّن به الحق ولا كشفه، بل دل ظاهره على الكفر والباطل، وأراد منا أن لا نفهم منه شيئاً، أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه. وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنـزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد.

وبهذا احتج الملاحدة، كابن سينا وغيره، على مثبتي المعاد، وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم، وزعموا أن الرسول e لم يبين ما الأمر عليه في نفسه، لا في العلم بالله تعالى ولا باليوم الآخر، فكان الذي استطالوا به على هؤلاء هو موافقتهم لهم على نفي الصفات، وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم ودحضت حجتهم .

ولهذا كان ابن النفيس المتطبب الفاضل يقول : ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث، أو مذهب الفلاسفة، فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف، يعني أن أهل الحديث أثبتوا كل ما جاء به الرسول، وأولئك جعلوا الجميع تخييلاً وتوهيماً. ومعلوم بالأدلة الكثيرة السمعية والعقلية فساد مذهب هؤلاء الملاحدة، فتعين أن يكون الحق مذهب السلف أهل الحديث والسنة والجماعة .

ثم إن ابن سينا وأمثاله من الباطنية المتفلسفة والقرامطة يقولون: إنه أراد من المخاطبين أن يفهموا الأمر على خلاف ما هو عليه، وأن يعتقدوا ما لا حقيقة له في الخارج، لما في هذا التخييل والاعتقاد الفاسد لهم من المصلحة .

والجهمية والمعتزلة وأمثالهم يقولون: إنه أراد أن يعتقدوا الحق على ما هو عليه، مع علمهم بأنه لم يبين ذلك في الكتاب والسنة، بل النصوص تدل على نقيض ذلك، فأولئك يقولون: أراد منهم اعتقاد الباطل وأمرهم به، وهؤلاء يقولون: أراد اعتقاد ما لم يدلهم إلا على نقيضه.

والمؤمن يعلم بالاضطرار أن كلا القولين باطل، للنفاة أهل التأويل من هذا أو هذا : وإذا كان كلاهما باطلاً كان تأويل النفاة للنصوص باطلاً: فيكون نقيضه حقاً وهو إقرار الأدلة الشرعية على مدلولاتها ومن خرج عن ذلك لزمه من الفساد ما لا يقوله إلا أهل الإلحاد .

الوجه الحادي والعشرون: أن يقال : الذي يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباه لفظاً ومعنى يوجب تناولها لحق وباطل فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع فإن البدعة لو كانت باطلاً محضاً لظهرت وبانت وما قبلت ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، فإن السنة لا تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه لكن البدعة تشتمل على حق وباطل، والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات وحقائق وغير ذلك، لابد أن تشمل على لبس حق بباطل وكتمان حق، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعاً إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك، كما قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه. ثم إن قوله الذي يعارض به النصوص لابد له أن يلبس فيه حقاً بباطل، بسبب ما يقوله من الألفاظ المجملة المتشابهة.

الوجه الثاني والعشرون: أن يقال: إن هؤلاء الذين يدعون العقليات التي تعارض السمعيات هم من أبعد الناس عن موجب العقل ومقتضاه كما هم من أبعد الناس عن متابعة الكتاب المنـزل والنبي المرسل وإن نفس ما به يقدحون في أدلة الحق التي توافق ما جاء به الرسول لو قدحوا به فيما يعارض ما جاء به الرسول لسلموا من التناقض وصح نظرهم وعقلهم واستدلالهم ومعارضتهم صحيح المنقول وصريح المعقول بالشبهات الفاسدة .

الوجه الثالث والعشرون: أن يقال: ما سلكوه من معارضة النصوص الإلهية بآرائهم هو بعينه الذي احتج به الملاحدة الدهرية عليهم في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر، حتى جعلوا ما أخبرت به الرسل عن الله وعن اليوم الآخر لا يستفاد منه علم، ثم نقلوا ذلك إلى ما أمروا به من الأعمال: كالصلوات الخمس، الزكاة، والصيام، والحج، فجعلوها للعامة دون الخاصة، فآل الأمر بهم إلى أن ألحدوا في الأصول الثلاثة التي اتفقت عليها الملل، كما قال تعالى : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . فأفضى الأمر بمن سلك سبل هؤلاء إلى الإلحاد في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وسرى ذلك في كثير من الخائضين في الحقائق، من أهل النظر والتأله من أهل الكلام والتصوف، حتى آل الأمر بملاحدة المتصوفة كابن عربي صاحب ((فصوص الحكم)) وأمثاله إلى أن جعلوا الوجود واحداً، وجعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق، وهذا تعطيل للخالق .

وحقيقة قولهم فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن، وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون. ثم إنهم جعلوا أهل النار يتنعمون فيها، كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، فكفروا بحقيقة اليوم الآخر، ثم ادّعو أن الولاية أفضل من النبوة، وأن خاتم الأولياء – وهو شيء لا حقيقة له – زعموا أنه أفضل من خاتم الأنبياء، بل ومن جميع الأنبياء، وأنهم كلهم يستفيدون من مشكاته العلم بالله، الذي حقيقته عندهم أن وجود المخلوق هو وجود الخالق.

وكان قولهم كما يقال لمن قال : فخر عليهم السقف من تحتهم، لا عقل ولا قرآن، فإن المتأخر يستفيد من المتقدم دون العكس، والأنبياء أفضل من غيرهم، فخالفوا الحس والعقل مع كفرهم بالشرع.

الوجه الرابع والعشرون: أن يقال : معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كلّ كفر، فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وبيّن أن المتبعين لما أنزله هم أهل الهدى والفلاح، والمعرضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال.

كما قال تعالى : (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)

وقال تعالى: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)

وقد أخبر عن أهل النار أنهم إنما دخلوها لمخالفة الرسل، قال تعالى: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) إلى قوله : (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) .

وقال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جنهم زمراً حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين).

وقال تعالى : (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير).

ومعلوم أن الكلام الذي جاءت به الرسل عن الله نوعان: إما إنشاء وإما إخبار والإنشاء يتضمن الأمر والنهي والإباحة، فأصل السعادة تصديق خبره، وطاعة أمره، وأصل الشقاوة معارضة خبره وأمره بالرأي والهوى، وهذا هو معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع.

ولهذا كان ضلال من ضل من أهل الكلام والنظر في النوع الخبري، بمعارضة خبر الله عن نفسه وعن خلقه بعقلهم ورأيهم، وضلال من ضل من أهل العبادة الفقه في النوع الطلبي، بمعارضة أمر الله الذي هو شرعه بأهوائهم وآرائهم.

والمقصود هنا أن معارضة أقوال الرسل بأقوال غيرهم من فعل الكفّار، كما قال تعالى: (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) إلى قوله: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب).

وقال تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) . وقوله تعالى : (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) مصدق لقول النبي e : ((مراء في القرآن كفر)).

ومن المعلوم أن كل من عارض القرآن، وجادل في ذلك بعقله ورأيه، فهو داخل في ذلك، وإن لم يزعم تقديم كلامه على كلام الله ورسوله، بل إذا قال ما يوجب المرية والشك في كلام الله، فقد دخل في ذلك، فكيف بمن يزعم أن ما يقوله بعقله ورأيه مقدّم على نصوص الكتاب والسنة؟ ! .

وقال تعالى: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كِبر ما هم ببالغيه) . وقال : (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) . والسلطان هو الكتاب المنـزل من السماء، كما ذكر ذلك غير واحد من المفسرين وشواهده كثيرة كقوله تعالى : (أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) وقوله: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) …. فمن عارض آيات الله المنـزلة برأيه وعقله من غير سلطان أتاه، دخل في معنى هذه الآية.

وهذا مما يبيّن أنه لا يجوز معارضة كتاب الله إلا بكتاب الله، لا يجوز معارضته بغير ذلك.

وكتاب الله نوعان: خبر وأمر، كما تقدم. أما الخبر فلا يجوز أن يتناقض، ولكن قد يُفسر أحد الخبرين الآخر ويبيّن معناه. وأما الأمر فيدخله النسخ، ولا ينسخ ما أنزل الله إلا بما أنزله الله، فمن أراد أن ينسخ شرع الله، الذي أنزله، برأيه وهواه كان ملحداً، وكذلك من دفع خبر الله برأيه ونظره كان ملحداً.

الوجه الخامس والعشرون: وهو أن يقال: إن الله سبحانه ذم من ذمه من أهل الكفر على أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.

كما قال تعالى : (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون. قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء وما الله بغافلٍ عما تعملون) وقال تعالى: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم) الآية . وقال : (ألا لعنة الله على الظالمين. الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً) وقال: (وويل للكافرين من عذاب شديد. الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله) ومعلوم أن سبيل الله هو ما بعث به رسله مما أمر به وأخبر عنه، فمن نهى الناس نهياً مجرداً عن تصديق رسل الله وطاعتهم، فقد صدهم عن سبيل الله، فكيف إذا نهاهم عن التصديق بما أخبرت به الرسل، وبين أن العقل يناقض ذلك، وأنه يجب تقديمه على ما أخبرت به الرسل؟!.

ومعلوم أن من زعم أن العقل الصريح الذي يجب اتباعه، يناقض ما جاء به الرسل، وذلك هو سبيل الله، فقد بغى سبيل الله عوجاً، أي طلب لها العوج، فإنه طلب أن يبين اعوجاج ذلك وميله عن الحق، وأن تلك السبيل الشرعية السمعية المروية عن الأنبياء عوجا لا مستقيمة، وأن المستقيم هو السبيل التي ابتدعها من خالف سبيل الأنبياء. ويوضح هذا :

الوجه السادس والعشرون: وهو أن يقال: من المعلوم أن الله أخبر أنه أرسل رسله بالهدى والبيان، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فقال تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) وقال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم. صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض) . وقال تعالى: (كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. الله الذي له ما في السموات وما في الأرض) إلى قوله: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم) .

وقد قال تعالى: (فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) وقال: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) وقال: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون) وقال تعالى: (قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبلَ السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) وقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم) وقال تعالى: (ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) وقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) وقال تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) ونظائر هذا في القرآن كثيرة.

وإذا كان كذلك فيقال: أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: إما أن يكون الرسول تكلم فيه بما يدل على الحق، أو بما يدل على الباطل، أو لم يتكلم: لا بما يدل على حق، ولا بما يدل على باطل.

ومعلوم أنه إذا قدر في شخص من الأشخاص أنه لم يتكلم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: لا بحق ولا بباطل، ولا هدى ولا ضلال، بل سكت عن ذلك، لم يكن قد هدى الناس، ولا أخرجهم من الظلمات إلى النور، ولا بيّن لهم، ولا كان معه ما يستضئ به السالك المستدل.

فإن قدّر أن هذا الشخص تكلم بما يُفهم منه نقيض الحق، وبما يدل على ضد الصواب، وكان مدلول كلامه في ذلك معلوم الفساد بصريح العقل –لكان هذا الشخص قد أضل بكلامه وما هدى، وكان مخرجاً لمن اتبعه بكلامه من النور إلى الظلمات، كحال الطاغوت الذين قال الله فيهم: (والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) .

ومن زعم أن ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، قد عارضه صريح المعقول الذي يجب تقدمه عليه، فقد جعل الرسول شبيهاً بالشخص الثاني الذي أضل بكلامه من وجه، ويجعله بمنـزلة من جعله كالساكت الذي لم يضل ولم يهد من وجه آخر.

فإنه إذا زعم أن الحق والهدى هو قول نفاة الصفات الذي يعلم بالعقل عنده، فمعلوم أن كلام الله ورسوله لم يدل على قول النفاة دلالة يحصل بها الهدى والبيان للمخاطبين بالقرآن. إن كان قول النفاة هو الحق .

ومعلوم أن كلام الله ورسوله دل على إثبات الصفات المناقض لقول النفاة، دلالة بيّنة بقول جمهور الناس: إنها دلالة قطعية على ذلك.

والمعتزلة ونحوهم من النفاة معترفون بأنها دلالة ظاهرة، فإذا كان الرسول لم يظهر للناس إلا إثبات الصفات دون نفيها، وكان الحق في نفس الأمر نفيها، لكان بمنـزلة الشخص الذي كتم الحق وذكر نقيضه.

وهذا خلاف ما نعته الله في كتابه، فدل على أن هذه الطريق التي يسوغ فيها تقديم عقول الرجال –في أصول التوحيد والإيمان- على كلام الله ورسوله. تناقض دين الرسول مناقضة بينة، بل مناقضة معلومة بالاضطرار من دين الإسلام، لمن تدبر حقيقة هذا القول، وعرف غائلته ووباله.

الوجه السابع والعشرون : إنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول: هذا القرآن أو الحكمة الذي بلّغته إلينا قد تضمن أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا، فلو قبلنا جميع ما تقوله، مع أن عقولنا تناقض ذلك، لكان ذلك قدحاً فيما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك، وكلامك نعرض عنه، لا نتلقى منه هدى ولا علم –لم يكن مثل هذا الرجل مؤمناً بما جاء به الرسول، ولم يرض الرسول منه بهذا بل يعلم أن هذا لو ساغ، لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول، إذ العقول متفاوتة، والشبهات كثيرة، والشيطان لا يزال يلقي الوساوس في النفوس، فيمكن حينئذ أن يلقي في قلب غير واحدٍ من الأشخاص، ما يناقض عامة ما أخبر به الرسول وما أمر به.

وقد ظهر ذلك في القرامطة الباطنية، الذين ردُّوا عامة الظاهر الذي جاء به من الأمر والخبر، وزعموا أن العقل ينافي هذا الظاهر الذي بيّنه الرسول.

ثم قد يقولون: الظاهر خطاب للجمهور والعامة، حتى يصل الشخص إلى معرفة الحقيقة التي يزعمون أنها تناقض ما بينه الرسول، وحينئذ فتسقط عنه طاعة أمره، ويسوغ له تكذيب خبره.

ومن المعلوم لعامة المسلمين أن قول الباطنية، الذي يتضمن مخالفة الرسول، معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام.

وكذلك ما أخبر به في المعاد، قد قال متكلمة المسلمين: إن قول الفلاسفة المناقض لذلك معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام. وهكذا ما أخبر به الرسول من أسماء الله وصفاته، يعلم أهل الإثبات أن قول النفاة فيه معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام. وأصل هذا الإلحاد جواز معارضة ما جاءت به الأنبياء بالعقول والآراء .

الوجه الثامن والعشرون: وهو أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كتابه أن معارضة مثل هذا فعل الشياطين المعادين للأنبياء .

قال تعالى : (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين. ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل. ولا تسبوا الذي يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمةٍ عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون. وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جآءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون. ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) أي : وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون. ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة . فقوله: (نقلب أفئدتهم) معطوف على قوله: (لا يؤمنون)، وكلاهما داخل في معنى قوله: (وما يشعركم) وبهذا تزول شبهة من لم يفهم الآية، فظن أن (أن) بمعنى (لعل) لتوهمه أن قوله: (ونقلب) فعل مبتدأ، إلى قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون. أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين. وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).

ومن تدبر هؤلاء الآيات علم أنها منطبقة على من يعارض كلام الأنبياء بكلام غيرهم بحسب حاله، فإن هؤلاء هم أعداء ما جاءت به الأنبياء .

وأصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية الحب، ومن المعلوم أنك لا تجد أحداً ممن يرد نصوص الكتاب والسنة بقوله إلا وهو يبغض ما خالف قوله، ويود أن تلك الآية لم تكن نزلت، وأن ذلك الحديث لم يرد، ولو أمكنه كشط ذلك من المصحف لفعله.

قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه. وقيل عن بعض رؤوس الجهمية –إما بشر المريسي، أو غيره- : أنه قال: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل. ويقال إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالطوهم بالتكذيب، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل .

ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليغه، خلافاً لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه. كما قال: ((ليبلغ الشاهد الغائب))([1]) وقال : ((بلّغوا عني ولو آية)) ([2]) وقال: ((نضّر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلّغه إلى من لم يسمعه، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) ([3]) .

وقد ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزل الله، لأنه معارض لما يقولونه، وفيهم جاء الأثر المعروف عن عمر: قال: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم السنن أن يحفظوها، وتفلّتت منهم أن يعوها، وسئلوا فقالوا في الدين برأيهم، فذكر أنهم أعداء السنن.

وبالجملة، فكل من أبغض شيئاً من الكتاب والسنة ففيه من عداوة النبي بحسب ذلك، وكذلك من أحب ذلك ففيه من الولاية بحسب ذلك.

قال عبد الله بن مسعود: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله. وعدو الأنبياء هم شياطين الإنس والجن.

كما قال النبي e لأبي ذر: ((تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن)). فقال: أو للإنس شياطين؟ فقال: ((نعم شر من شياطين الجن، وهؤلاء يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً)) .

والزخرف هو الكلام المزين، كما يزين الشيء بالزخرف، وهو المذهب، وذلك غرور لأنه يغر المستمع، والشبهات المعارضة لما جاءت به الرسل هي كلام مزخرف يغر المستمع .

(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) فهؤلاء المعارضون لما جاءت به الرسل تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، كما رأيناه وجربناه. ثم قال: (أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً) وهذا يبين أن الحكم بين الناس هو الله تعالى بما أنزله من الكتاب المفصل. كما قال تعالى في الآية الأخرى : (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) وقال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)، وقوله تعالى : (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً) جملة في موضع الحال. وقوله: (أفغير الله أبتغي حكماً) استفهام إنكار، يقول : كيف أطلب حكماً غير الله، وقد أنزل كتاباً مفصلاً يحكم بيننا؟

وقوله: (مفصلاً) يبين أن الكتاب الحاكم مفصل مبين، بخلاف ما يزعمه من يعارضه بآراء الرجال، ويقول: إنه لا يفهم معناه، ولا يدل على مورد النـزاع، فيجعله: إما مجملاً لا ظاهر له، أو مُؤوّلاً لا يعلم معناه، ولا دليل يدل على عين المعنى المراد به.

ولهذا كان المعرضون عن النصوص، المعارضون لها، كالمتفقين على أنه لا يعلم عين المراد به، وإنما غايتهم أن يذكروا احتمالات كثيرة، ويقولون: يجوز أن يكون المراد واحداً منها. ولهذا أمسك من أمسك منهم عن التأويل، لعدم العلم بعين المراد.

فعلى التقديرين لا يكون عندهم الكتاب الحاكم مفصّلاً، بل مجملاً ملتبساً أو مؤوّلاً بتأويل لا دليل على إرادته.

ثم قال: (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منـزل من ربك بالحق) وذلك أن الكتاب الأول مصدق للقرآن، فمن نظر فيما بأيدي أهل الكتاب من التوراة والإنجيل، علم علماً يقيناً لا يحتمل النقيض أن هذا وهذا جاء من مشكاة واحدة، لا سيما في باب التوحيد والأسماء والصفات، فإن التوراة مطابقة للقرآن موافقة له موافقة لا ريب فيها.

وهذا مما يبين أن ما في التوراة من ذلك، ليس هو من المبدل الذي أنكره عليهم القرآن، بل هو من الحق الذي صدقهم عليه. ولهذا لم يكن النبي e وأصحابه ينكرون ما في التوراة من الصفات، ولا يجعلون ذلك مما بدّله اليهود، ولا يعيبونهم بذلك ويقولون هذا تشبيه وتجسيم، كما يعيبهم بذلك كثير من النفاة، ويقولون: إن هذا مما حرّفوه، بل كان الرسول إذا ذكروا له شيئاً من ذلك صدّقهم عليه، كما صدقهم في خبر الحبر، كما هو في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود، وفي غير ذلك. ثم قال: (وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً)، فقرر أن ما أخبر الله به فهو صدق، وما أمر به فهو عدل.

وهذا يقرر أن ما في النصوص من الخبر فهو صدق علينا أن نصدّق به، لا نعرض عنه ولا نعارضه، ومن دفعه لم يصدق به، وإن قال: أنا أصدق الرسول تصديقاً مجملاً، فإن نفس الخبر الذي أخبر به الرسول، وعارضه هو بعقله ودفعه، لم يصدق به تصديقاً مفصلاً، ولو صدق الرجل الرسول تصديقاً مجملاً، ولم يصدقه تصديقاً مفصلاً، فيما علم أنه أخبر به، لم يكن مؤمناً له، ولو أقر بلفظه مع إعراضه عن معناه الذي بينه الرسول، أو صرفه إلى معانٍ لا يدل عليها مجرى الخطاب بفنون التحريف، بل لم يُردها الرسول، فهذا ليس بتصديق في الحقيقة، بل هو إلى التكذيب أقرب.

([1]) البخاري (1/20) .

([2]) البخاري (4/170) .

([3]) رواه الترمذي وصححه الألباني في المشكاة (230) .

 

الوجه التاسع والعشرون: وهو أن يقال: إن الله ذمّ أهل الكتاب على كتمان ما أنزل الله، وعلى الكذب فيه، وعلى تحريفه، وعلى عدم فهمه.

قال تعالى : (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون. فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) .

فذمَّ المحرِّفين له، والأميين الذين لا يعلمونه إلا أمانـيّ، والذين يكذبون فيقولون لما يكتبونه هو من عند الله، وما هو من عند الله، كما ذم الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، وقد ذمّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في غير هذا الموضع.

وهذه الأنواع الأربعة موجودة في الذين يعرضون عن كتاب الله ويعارضونه بآرائهم وأهوائهم، فإنهم تارة يكتمون الأحاديث المخالفة لأقوالهم، ومنهم طوائف يضعون أحاديث نبوية توافق بدعهم، كالحديث الذي تحتج به الفلاسفة: أول ما خلق الله العقل.

والحديث الذي يحتجون به في نفي الرؤية : لا ينبغي لأحد أن يرى الله في الدنيا ولا في الآخرة.

والحديث الذي يحتجون به في نفس العلو، كالحديث الذي رواه ابن عساكر فيما أملاه في نفي الجهة عن شيخه ابن عبد الله العوسجي عن النبي e أنه قال: ((الذي أَيَّنَ الأين فلا يقال له: أين))، وعارض به حديث ابن إسحاق الذي رواه أبو داود وغيره، الذي قال فيه : ((يستشفع بك على الله ويستشفع بالله عليك))، وأكثر فيه في القدح في ابن إسحاق، مع احتجاجه بحديث أجمع العلماء على أنه من أكذب الحديث، وغاية ما قالوا فيه: إنه غريب.

والأحاديث التي تحتج بها الاتحادية من هؤلاء وغيرهم، مثل: قولهم عن النبيe أنه قال: ((ربي زدني فيك تحيُّراً)) .

ومثل الأحاديث التي يحتج بها الواصفون له بالنقائص، كحديث الجمل الأورق ونـزوله عشية عرفة إلى الأرض يصافح الركبان ويعانق المشاة، ونزوله إلى بطحاء مكة، وقعوده على كرسي بين السماء والأرض، ونزوله على صخرة بيت المقدس، وأمثال ذلك.

وكذلك ما يضعونه من الكتب بآرائهم وأذواقهم ويدّعون أن هذا هو دين الله الذي يجب اتباعه.

وأما تحريفهم للنصوص بأنواع التأويلات الفاسدة التي يحرّفون بها الكلم عن مواضعه، فأكثر من أن يذكر، كتأويلات القرامطة الباطنية، والجهمية، والقدرية، وغيرهم.

وأما عدم الفهم، فإن النصوص التي يخالفونها، تارة يحرّفونها بالتأويل، وتارة يعرضون عن تدبرها وفهم معانيها، فيصيرون كالأميين الذي لا يعلمون الكتاب إلا أمانـيَّ، ولهذا تجد هؤلاء معرضين عن القرآن والحديث، فمنهم طوائف لا يقرّون القرآن، مثل كثير من الرافضة والجهمية، لا تحفظ أئمتهم القرآن، وسواء حفظوه أو لم يحفظوه لا يطلبون الهدى منه، بل إما أن يعرضوا عن فهمه وتدبّره، كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أمانـيَّ، وإما أن يحرفوه بالتأويلات الفاسدة.

وأما الحديث : فمنهم من لا يعرفه ولم يسمعه، وكثير منهم لا يصدق به، ثم إذا صدقوا به كان تحريفهم له وإعراضهم عنه، أعظم من تحريف القرآن والإعراض عنه، حتى أن منهم طوائف يقرّون بما أخبر به القرآن من الصفات، وأما الحديث إذا صدّقوا به فهم لا يقرّون بما أخبر به.

وإذا تبين أن من أعرض عن الكتاب وعارضه بالمعقولات، لابد له من كتمان أو كذب أو تحريف أو أمية، مع عدم علم، وهذه الأمور كلها مذمومة – دل ذلك على أن هؤلاء مذمومون في كتاب الله، كما ذم الله أشباههم من أهل الكتاب، وأن هؤلاء وأمثالهم دخلوا في قوله e ، الذي ثبت عنه في الصحيح، الذي قال فيه: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)). قالوا : يا رسول الله : اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟))([1]) .

الوجه الثلاثون: وهو أن يقال : الذين يعارضون كلام الله وكلام رسوله بعقولهم: إن كانوا من ملاحدة الفلاسفة والقرامطة . قالوا: إن الرسل أبطنت خلاف ما أظهرت لأجل مصلحة الجمهور. حتى يؤول الأمر بهم إلى إسقاط الواجبات واستحلال المحرمات: إما للعامة. وإما للخاصة دون العامة. ونحو ذلك مما يعلم كل مؤمن أنه فاسد مخالف لما علم بالاضطرار من دين الإسلام. وإن كانوا من أهل الفقه والكلام والتصوّف الذين لا يقولون ذلك. فلابد لهم من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح.

ولفظ ((التأويل)) يراد به التفسير، كما يوجد في كلام المفسرين: ابن جرير وغيره ويراد به حقيقة ما يؤول إليه الكلام. وهو المراد بلفظ التأويل في القرآن.

وهذان الوجهان لا ريب فيهما. والتأويل بمعنى التفسير والبيان كان السلف يعلمونه ويتكلمون فيه.

وأما بالمعنى الثاني. فمنه ما لا يعلمه إلا الله. ولهذا كانوا يثبتون العلم بمعاني القرآن .وينفون العلم بالكيفية. كقول مالك وغيره الاستواء معلوم. والكيف مجهول.

فالعلم بالاستواء من باب التفسير، وهو التأويل الذي نعلمه. وأما الكيف فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، وهو المجهول لنا.

ويراد بالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، وهذا هو الذي تدعيه نفاة الصفات والقدر ونحو ذلك من نصوص الكتاب والسنة .

وهؤلاء قولهم متناقض، فإنهم على أصلين فاسدين: فإنهم يقولون لابد من تأويل بعض الظواهر كما في قوله: ((جعت فلم تطعمني)). وقوله: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض))، ونحو ذلك. ثم أي نص خالف رأيهم جعلوه من هذا الباب، فيجعلون تارة المعنى الفاسد هو الظاهر، ليجعلوا في موضع آخر المعنى الظاهر فاسداً، وهم مخطئون في هذا وهذا.

ومضمون كلامهم أن كلام الله ورسوله في ظاهره كفر وإلحاد، من غير بيان من الله ورسوله للمراد .

وهذا قول ظاهر الفاسد، وهو أصل قول أهل الكفر والإلحاد. أما النصوص التي يزعمون أن ظاهرها كفر، فإذا تدبرت النصوص وجدتها قد بيّنت المراد، وأزالت الشبهة، فإن الحديث الصحيح لفظه: ((عبدي، مرضت فلم تعدني. فيقول: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض، فلو عدته لوجدتني عنده)).

فنفس ألفاظ الحديث نصوص في أن الله نفسه لا يمرض. وإنما الذي مرض عبده المؤمن. ومثل هذا لا يقال ظاهره أن الله يمرض، فيحتاج إلى تأويل؛ لأن اللفظ إذا قرن به ما بيّن معناه، كان ذلك هو ظاهره كاللفظ العام، إذا قرن به استثناء أو غاية أو صفة، كقوله: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) وقوله: (فصيام شهرين متتابعين) ونحو ذلك، فإن الناس متفقون على أنه حينئذ ليس ظاهره ألفاً كاملة ولا شهرين، سواء كانا متفرّقين أو متتابعين([2]).

وأما قوله: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فهو أولاً: ليس من الحديث الصحيح الثابت عن النبي e ، فلا نحتاج أن ندخله في الباب. ولكن هؤلاء يقرنون بالأحاديث الصحيحة أحاديث كثيرة موضوعة، ويقولون بتأول الجميع، كما فعل بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأبو بكر بن فورك في كتاب ((مشكل الحديث)) حتى أنهم يتأولون حديث عرق الخيل وأمثاله من الموضوعات.

فحديث: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، هو معروف من كلام ابن عباس، ورُوى مرفوعاً، وفي رفعه نظر. ولفظ الحديث: الحجر الأسود يمين الله في الأرض. فمن صافحة أو قبّله فكأنما صافح الله وقبل يمينه. ففي لفظ هذا الحديث أنه يمين الله في الأرض، وأن المصافح له كأنما صافح الله وقبل يمينه. ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به. فهذا صريح في أنه ليس هو نفس صفة الله، فلا يمكن أحد أن يأتي بنص صحيح صريح يدل على معنى فاسد. من غير بيان للنص أصلاً. فالحمد لله الذي سلّم كلامه وكلام رسوله من كل نقص وعيب. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. والحمد لله رب العالمين .

وأما الخطأ الثاني فيأتون إلى نصوص صحيحة دالة على معانٍ دلالة بينة، بل صريحة قطعية، كأحاديث الرؤية ونحوها، مما فيه إثبات الصفات. فيقولون: هذه تحتاج إلى التأويل كتلك، وقد تبين استغناء كل من الصنفين عن التحريف، وأن التفسير الذي به يعرف الصواب قد ذكر ما يدل عليه في نفس الخطاب: إما مقروناً به، وإما في نص آخر.

ولهذا لما لم يكن لهم قانون قويم، وصراط مستقيم، في النصوص، لم يوجد أحد منهم يمكنه التفريق بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل والتي لا تحتاج إليه، إلا بما يرجع إلى نفس المتأول المستمع للخطاب، لا بما يرجع إلى نفس المتكلم بالخطاب، فنجد من ظهر له تناقض أقوال أهل الكلام والفلاسفة، كأبي حامد وأمثاله، ممن ينظنون أن في طريقة التصفية نيل مطلوبهم، يعوّلون في هذا الباب على ذوقهم وكشفهم، فيقولون: إن ما عرفته بنور بصيرتك فقّرره، وما لم تعرفه فأوّله.

ومن ظن أن في كلام المتكلمين ما يهدي إلى الحق، يقول: ما ناقض دلالة العقل وجب تأويله، وإلا فلا .

ثم المعتزلي –والمتفلسف الذي يوافقه – يقول: إن العقل يمنع إثبات الصفات وإمكان الرؤية .

ويقول المتفلسف الدهري: إنه يمنع إثبات معاد الأبدان، وإثبات أكل وشربٍ في الآخرة، ونحو ذلك.

فهؤلاء، مع تناقضهم، لا يجعلون الرسول نفسه نصب في خطابه دليلاً يفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، بل يجعلون الفارق هو ما يختلف باختلاف الناس من أذواقهم وعقولهم.

ومعلوم أن هذا نسبة للرسول إلى التلبيس وعدم البيان، بل إلى كتمان الحق وإضلال الخلق، بل إلى التكلم بكلام لا يعرف حقه من باطله، ولهذا كان حقيقة أمرهم الإعراض عن الكتاب والرسول، فلا يستفيدون من كتاب الله وسنة رسوله شيئاً من معرفة صفات الله تعالى، بل الرسول معزول عندهم عن الإخبار بصفات الله تعالى نفياً وإثباتاً، وإنما ولايته عندهم في العمليات – أو بعضها- مع أنهم متفقون على أن مقصوده العدل بين الناس وإصلاح دنياهم.

ثم يقولون مع ذلك: إنه أخبرهم بكلام عن الله وعن اليوم الآخر: صار ذلك الكلام سبباً للشر بينهم والفتن والعداوة والبغضاء، مع ما فيه عندهم من فساد العقل والدين، فحقيقة أمرهم أنه أفسد دينهم ودنياهم. وهذا مناقض لقولهم: إنه أعقل الخلق وأكملهم، أو من أعقلهم وأكملهم، وأنه قصد العدل ومصلحة دنياهم.

 فهم مع قولهم المتضمن للكفر والإلحاد، يقولون قولاً مختلفاً، يؤفك عنه من أفك، متناقض غاية التناقض، فاسد غاية الفساد.

الوجه الحادي والثلاثون : وهو أن يقال : حقيقة قول هؤلاء الذين يجوزون أن تعارض النصوص الإلهية النبوية بما يناقضها من آراء الرجال، أن لا يحتج بالقرآن والحديث على شيء من المسائل العلمية، بل ولا يستفاد التصديق بشيء من أخبار الله ورسوله، فإنه إذا جاز أن يكون فيما أخبر الله به ورسوله في الكتاب والسنة أخبار يعارضها صريح العقل، ويجب تقديمه عليها من غير بيان من الله ورسوله للحق الذي يطابق مدلول العقل، ولا لمعاني تلك الأخبار المناقضة لصريح العقل، فالإنسان لا يخلو من حالين، وذلك لأن الإنسان إذا سمع خطاب الله ورسوله الذي يخبر فيه عن الغيب: فإما أن يقدر أن له رأياً مخالفاً للنص، أو ليس له رأي يخالفه، فإن كان عنده مما يسميه معقولاً ما يناقض خبر الله ورسوله، وكان معقوله هو المقدّم، قدّم معقوله وألغى خبر الله ورسوله وكان حينئذٍ كل من اقتضى عقله مناقضة خبر من أخبار الله ورسوله قدم عقله على خبر الله ورسوله، ولم يكن مستدلاً بما أخبر الله به ورسوله على ثبوت مخبره، بل ولم يستفد من خبر الله ورسوله فائدة علمية، بل غايته أن يستفيد إتعاب قلبه فيما يحتمله ذلك اللفظ من المعاني التي لا يدل عليها الخطاب إلا دلالة بعيدة ليصرف إليها اللفظ.

ومعلوم أن المقصود بالخطاب الإفهام، وهذا لم يستفد من الخطاب الإفهام، فإن الحق لم يستفده من الخطاب بل من عقله، والمعنى الذي دلّ عليه الخطاب الدلالة المعروفة لم يكن المقصود بالخطاب إفهامه، وذلك المعنى البعيد الذي صرف الخطاب إليه، قد كان عالماً بثبوته بدون الخطاب، ولم يدله عليه الخطاب الدلالة المعروفة، بل تعب تعباً عظيماً حتى أمكنه احتمال الخطاب له، مع أنه لا يعلم أن المخاطب أفاده بالخطاب، فلم يكن في خطاب الله ورسوله على قول هؤلاء، لا إفهام ولا بيان، بل قولهم يقتضي أن خطاب الله ورسوله إنما أفاد تضليل الإنسان، وإتعاب الأذهان، والتفريق بين أهل الإيمان، وحصول العداوة بينهم والشنآن، وتمكين أهل الإلحاد والطغيان، من الطعن في القرآن والإيمان.

وأما إن لم يكن عنده ما يعارض النص، مما يسمى رأياً ومعقولاً وبرهاناً ونحو ذلك، فإنه لا يجزم بأنه ليس في عقول جميع الناس ما يناقض ذلك الخبر الذي أخبر الله به ورسوله.

ومن المعلوم أن الدلالات التي تسمى عقليات، ليس لها ضابط، ولا هي منحصرة في نوع معين، بل ما من أمةٍ إلا ولهم ما يسمونه معقولات.

واعتبر ذلك بأمتنا، فإنه ما من مدة إلا وقد يبتدع بعض الناس بدعاً: يزعم أنها معقولات.

ومعلوم أن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من يعارض النصوص بالعقليات، فإن الخوارج والشيعة حدثوا في آخر خلافة عليّ، والمرجئة والقدرية حدثوا في أواخر عصر الصحابة، وهؤلاء كانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، لا يدّعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص.

ثم أتباع هذه الطوائف يحدثون من الحجج العقلية على قول متبوعهم ما لم تكن عند متبوعهم، فيكون –بزعمهم- قد تبين لهم من العقليات النافية ما لم يتبين لمتبوعهم.

واعتبر ذلك بما تجده من الحجج لأبي الحسين البصري وأمثاله مما لم يسبقه إليها شيوخه، وما تجده لأبي هاشم، ولأبي علي الجبائي، وعبد الجبار بن أحمد مما لم يسبقهم إليها شيوخهم .

بل أبو المعالي الجويني، ونحوه ممن انتسب إلى الأشعري، ذكروا في كتبهم من الحجج العقليات النافية للصفات الخبرية ما لم يذكره ابن كلاب والأشعري وأئمة أصحابهما، كالقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثاله، فإن هؤلاء متفقون على إثبات الصفات الخبرية، كالوجه واليد، والاستواء.

فتبين أن من جوز على خبر الله، أو خبر رسوله، أن يناقضه شيء من المعقول الصريح، لم يمكنه أن يصدق بعامة ما أخبر الله به ورسوله من الغيب، لا سيما والأمور الغائبة ليس للمخبرين بها خبرة يمكنهم أن يعلموا بعقولهم ثبوت ما أخبر به، أو انتفاء جميع ما تتخيله النفوس من المعارضات له.

بل إذا كانت الأمور المشاهدة الحسية، وما يبنى عليها من العلوم العقلية، قد وقع فيها شبهات كثيرة عقلية تعارض ما علم بالحس أو العقل، وكثير من هذه الشبه السوفسطائية يعسر على كثير من الناس –أو أكثرهم- حلها، وبيان وجه فسادها، وإنما يعتصمون في ردها بأن هذا قدح فيما علم بالحس أو الضرورة فلا يستحق الجواب، فيكون جوابهم عنها أنها معارضة للأمر المعلوم الذي لا ريب فيه، فيعلم أنها باطلة من حيث الجملة، وإن لم يذكر بطلانها على وجه التفصيل.

ولو قال قائل: هذه الأمور المعلومة لا تثبت إلا بالجواب عما يعارضها من الحجج السوفسطائية، لم يثبت لأحدٍ علم بشيء من الأشياء، إذ لا نهاية لما يقوم بنفوس بعض الناس من الحجج السوفسطائية.

فهكذا تصديق خبر الله ورسوله، قد علم علماً يقينياً أنه صدق مطابق لمخبره، وعلمنا بثبوت جميع ما أخبر به أعظم من علمنا بكل فردٍ من علومنا الحسية والعقلية، وإن كنا جازمين بجنس ذلك، فإن حسنا وعقلنا قد يعرض له من الغلط ما يقدح في بعض إدراكاته كالشبه السوفسطائية.

وأما خبر الله ورسوله فهو صدق، موافق لما الأمر عليه في نفسه، لا يجوز أن يكون شيء من أخباره باطلاً، ولا مخالفاً لما هو الأمر عليه في نفسه، ويعلم من حيث الجملة أن كل ما عارض شيئاً من أخباره وناقضه، فإنه باطل من جنس حجج السوفسطائية، وإن كان العالم بذلك قد لا يعلم وجه بطلان تلك الحجج المعارضة لأخباره.

وهذه حال المؤمنين للرسول، الذي علموا أنه رسول الله الصادق فيما يخبر به، يعلمون من حيث الجملة أن ما ناقض خبره فهو باطل، وأنه لا يجوز أن يعارض خبره دليل صحيح: لا عقلي، ولا سمعي، وأن ما عارض أخباره من الأمور التي يحتج بها المعارضون ويسمونها عقليات، أو برهانيات، أو وجديات، أو ذوقيات، أو مخاطبات، أو مكاشفات، أو مشاهدات، أو نحو ذلك من الأمور الدهّاشات، أو يسمون ذلك تحقيقاً، أو توحيداً، أو عرفاناً، أو حكمة حقيقية، أو فلسفة، أو معارف يقينية، ونحو ذلك من الأسماء التي يسميها بها أصحابها، فنحن نعلم علماً يقينياً لا يحتمل النقيض أن تلك جهليات، وضلالات، وخيالات، وشبهات مكذوبات، وحجج سوفسطائية، وأوهام فاسدة، وأن تلك الأسماء ليست مطابقة لمسمّاها، بل هي من جنس تسمية الأوثان آلهة وأرباباً، وتسمية مسيلمة الكذاب وأمثاله أنبياء : (إن هي إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) . والمقصود أنه من جوز أن يكون فيما علمه بحسه وعقله حجج صحيحة تعارض ذلك، لم يثق بشيء من علمه، ولم يبق له طريق إلى التصديق بشيء من ذلك.

فهكذا من جوّز أن يكون فيما أخبر الله به ورسوله حجج صحيحة تعارض ذلك لم يثق بشيء من خبر الله ورسوله، ولم يبق له طريق إلى التصديق بشيء من أخبار الله ورسوله.

ولهذا كان هؤلاء المعرضين عن الكتاب، المعارضين له، سوفسطائية منتهاهم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات، يتأولون كلام الله وكلام رسوله بتأويلات يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه، وينتهون في أدلتهم إلى ما يعلم فساده بالحس والضرورة العقلية.

ثم إن فضلاءهم يتفطّنون لما بهم من ذلك فيصيرون في الشك والحيرة والارتياب، وهذا منتهى كل من عارض نصوص الكتاب.

وإذا كان قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن التصديق الجازم بما أخبر به الرسول حق واجب، وطريق هؤلاء تناقضه، علم بالضرورة من دين الإسلام أن طريق هؤلاء فاسدة في دين الإسلام، وهذه هي طريقة أهل الإلحاد في أسماء الله وآياته.

وإذا كان ما أوجب الشك والريب ليس بدليل صحيح، وإنما الدليل ما أفاد العلم واليقين، وطريق هؤلاء لا يفيد العلم واليقين، بل يفيد الشك والحيرة، علم أنها فاسدة في العقل، كما أنها إلحاد ونفاق في الشرع.

 

فهكذا من جوّز أن يكون فيما أخبر الله به ورسوله حجج صحيحة تعارض ذلك لم يثق بشيء من خبر الله ورسوله، ولم يبق له طريق إلى التصديق بشيء من أخبار الله ورسوله.

ولهذا كان هؤلاء المعرضين عن الكتاب، المعارضين له، سوفسطائية منتهاهم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات، يتأولون كلام الله وكلام رسوله بتأويلات يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه، وينتهون في أدلتهم إلى ما يعلم فساده بالحس والضرورة العقلية.

ثم إن فضلاءهم يتفطّنون لما بهم من ذلك فيصيرون في الشك والحيرة والارتياب، وهذا منتهى كل من عارض نصوص الكتاب.

وإذا كان قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن التصديق الجازم بما أخبر به الرسول حق واجب، وطريق هؤلاء تناقضه، علم بالضرورة من دين الإسلام أن طريق هؤلاء فاسدة في دين الإسلام، وهذه هي طريقة أهل الإلحاد في أسماء الله وآياته.

وإذا كان ما أوجب الشك والريب ليس بدليل صحيح، وإنما الدليل ما أفاد العلم واليقين، وطريق هؤلاء لا يفيد العلم واليقين، بل يفيد الشك والحيرة، علم أنها فاسدة في العقل، كما أنها إلحاد ونفاق في الشرع.

 

([1]) البخاري (4/169) .

([2]) أي أن الناس متفقون على أن نوحاً لم يعش ألف سنة كاملة بل أقل من ذلك لوجود الاستثناء في الآية. ومتفقون على أنه لا يجب صيام شهرين متتابعين على كل مسلم، بل على من لم يجد رقبة مؤمنة يحررها كفارة لخطئه في قتله من قتل من مؤمن أو معاهد لعسرته بثمنها (وانظر تفسير الطبري للآية الكريمة).

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة