* عقلانيون يتوبون قبل الموت ! :

* عقلانيون يتوبون قبل الموت ! :

رغم فتنة العقلانية الساحرة التي تُخيل للمرء أنه سيستطيع من خلالها الوقوف على كثير من أسرار الخلق والوجود، وأنه من الممكن بواسطتها الاستغناء عن جميع أو كثير مما جاءت به الأديان من العبادات والسلوكيات .

رغم كل هذا، وأن المتابع لهذا السراب الخادع قلّما يعود إلى فطرته ويراجع دينه ويعلم حدود عقله المخلوق، إلا أن الله بحكمته ورحمته يجتبي بين الحين والآخر بعضاً من هؤلاء العقلانيين ويقذف نور الهداية في قلوبهم من جديد بعد أن يكونوا قد أمضوا شوطاً طويلاً في اللهاث خلف سراب العقلانية الذي يكتشفونه بهداية الله لهم أنه (سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً).

وإليك أخي القارئ مواقفَ لبعض هؤلاء العقلانيين قيدوا فيها خواطرهم عندما أراد الله لهم الهداية من جديد بعد رحلة مضنية خلف معقولاتهم .

هذه المواقف سجلها لنا السلف الصالح لنكون حذرين لا ننـزلق فيما انـزلق فيه الآخرون الذين ندموا على ما أضاعوه من ساعات عمرهم في تحصيل ما لا حاصل منه ..

فهذا الرازي مع سبقه في باب المعقول، وفرط ذكائه يشكو حيرته وعجزه فيقول :

نهاية إقدام العقول عقال

 

وغاية سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا

 

وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

 

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

فكم قد رأينا في رجال ودولة

 

فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها

 

رجال فزالوا والجبال جبال

لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات : (الرحمن على العرش استوى) .(إليه يصعد الكلم الطيب) .

وأقرأ في النفي (ليس كمثله شيء) . (ولا يحيطون به علماً)

ثم قال : ((ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)) ([1]) .

وقال الشهرستاني: ((فقد أشار إليَّ من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أجمع له مشكلات الأصول، وأحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول لحسن ظنه بي أني وقفت على نهاية النظر، وفزت بغايات مطارح الفكر، ولعله استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم: لعمري :

لقد طفت في تلك المعاهد كلها

 

وسَيَّرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر

 

على ذَقَن أو قارعاً سن نادم ([2])

 ((وقال الجويني: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي، وها أنذا أموت على عقيدة أميّ !

وقال الخونجي : اشهدوا عليّ أني أموت وما عرفت شيئاً إلا الممكن يفتقر إلى واجب ثم قال: والافتقار أمر عدمي، فلم أعرف شيئاً !

وقال آخر: أكثر الناس شكاً عند الموت أصحاب الكلام. وقال آخر وقد نزلت به نازلة من سلطانه فاستغاث برب الفلاسفة فلم يغث قال: ثم استغثت برب الجهمية فلم يغثني، ثم استغثت برب القدرية فلم يغثني، ثم استغثت برب المعتزلة فلم يغثني. قال: فاستغثت برب العامة فأغاثني)) ([3]).

ختاماً: أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إلى العودة إلى تحكيم (نصوص) الكتاب والسنة في جميع شئونه لكي ينعم ويسعد ويُفلح مع المفلحين الذين قال الله فيهم (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : تضمن الله لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة([4]).

ولا يكونوا ممن قال سبحانه فيهم (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى)

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

كتبه/ أبو مصعب : سليمان بن صالح الخراشي

الرياض / ص ب   522

الرمز / 11321

([1]) شرح العقيدة الطحاوية ص 208-209، وانظر : سير أعلام النبلاء 21/501.

([2]) نهاية الإقدام في علم الكلام ص 3 .

([3]) الصواعق المرسلة لابن القيم (1/166) . 

([4])  تفسير الطبري (8/469) .

تاريخ الاضافة: 26-11-2009
طباعة