عرض المقال :إبليس في الفكر الإسلامي
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات العقلانية للملاحدة

اسم المقال : إبليس في الفكر الإسلامي
كاتب المقال: الحقيقة

صراع حول ما أسماه العظم

مأسَاة إبليس

من كتاب :

      صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

      تأليف

      عبد الرحمن حسن حبنّكة الميدان

 

 

ملاحظة قبل الدخول في الصراع

          قال الناقد (د. العظم) في الصفحة (83) من كتابه : "قبل أن أدخل في صلب الموضوع أريد أن يتضح للجميع بأن بحثي يدور في إطار معين ، لا يجوز الابتعاد عنه على الإطلاق ، ألا وهو إطار التفكير المثيولوجي – الديني الناتج عن خيال الإنسان الأسطوري وملكاته الخرافية – إنني لا أريد معالجة قصة إبليس باعتبارها موضوعاً يدخل نطاق الإيمان الديني الصرف ، ولا أريد أن أتكلم عنه باعتباره كائناً موجوداً حقيقياً ، وإنما أريد دراسة شخصيته باعتبارها شخصية ميثولوجية أبدعتها ملكة الإنسان الخرافية وطوَّرها وضخمها خياله الخصب".

           فلا يغترَّ القارئ ببعض أقواله الدينية في صلب الموضوع ، لأنه مضطر إلى إيرادها لدراسة القصة من خلالها ، على اعتبارها واعتبار كل ما يتصل بها خرافة من الخرافات وأسطورة من وضع الإنسان .

           كتب (د. العظم) في كتابه "نقد الفكر الديني" فصلاً خاصاً بعنوان : "مأساة إبليس" ، وكان هذا الفصل محاضرة ألقاها .

           زعم فيما كتب أن قصة إبليس أسطورة خيالية من الأساطير الدينية ، مثلها كمثل الأساطير الخيالية التي تنتهي بمأساة درامية ، وإبليس بطل هذه المسألة قديس بحسب تفسيراته التي اعتمد فيها على آرائه الشخصية ، وعلى آراء باطنية شاذة اعتمدت على المذهب الجبري في موضوع القضاء والقدر ، وهو مذهب مرفوض كما علمنا ، وما اشتمل هذا المذهب عليه من أفكار لا يمثل العقيدة الإسلامية الصحيحة ، لذلك فإن جميع ما بناه على هذا الأساس من تفسيرات ومفاهيم وأسئلة وإشكالات ساقط مردود ، باعتبار أن الأساس الذي بنى عليه أساس مرفوض دينياً ، وما بني على فاسد فهو فاسد .

           ولم يكتفِ باعتبار قصة إبليس الواردة في القرآن قصة أسطورية ، بل هو يعتبر سائر القصص الدينية الصحيحة من قبل القصص الأسطورية ، فقصة إبراهيم وأمر الله له بذبح ولده أسطورة مأساة درامية خيالية في نظره ، وقصة أيوب وبلائه أسطورة مأساة ،وهكذا ، ولكن أعظم بطل ذي قصة مأساوية في نظره هو إبليس ، لأنه تحدى الموقف المأساوي ببطولة .

           من الطبيعي أن ينكر القصص الدينية بعد أن أنكر وجود الله ، وأنكر الشرائع السماوية كلها ، وأنكر القرآن وصحة نسبته إلى الله جلَّ وعلا .

           إن العقيدة الإسلامية بكل أركانها وفروعها مبنية على أصل واحد هو الإيمان بالله ، فمن اجتث من فكره وقلبه ووجدانه هذا الأصل فكل كلامه في الفروع كلام جدلي محض لا أساس له ، ولا بد أن تكون مناقشته فيه متسمة بالمغالطات والأكاذيب والمشاغبات والعمل على طي الحقائق وكتمانها ، والاقتصار على الجوانب التي تفيده في المعركة الجدلية ، مثله في ذلك مثل المصارع الذي يصنع بيده وعلى وفق هواه دميةً لخصمه ، ثم يدخل معها إلى حلبة الصراع على أنها هي خصمه الحقيقي ، ويصارعها كما يشاء ، ويلعب بها كما يشاء ، ثم يظهر انتصاره عليها . أو كمثل المصارع الذي يستخدم بعض المرتزقة من المصارعين ، ويطلب منه أن يلبس قناع خصمه الحقيقي ، وينزل بدل الخصم في حلبة المصارعة ، على أن يصارع مصارعة ضعيفة ، ينهزم في أعقابها عند حلول الزمان المعلوم ، ووفق صورة مرسومة متفق عليها سابقاً .

 

          وما أكثر هؤلاء المقنعين من الذين يتظاهرون بالدفاع عن الدين ، ويصارعون أعداءه بضعف ظاهر ، ثم ينكشفون بعد محاولات باردات ، لا يستخدمون فيها أية قوة من القوى الدينية الصحيحة ، ويقبعون أخيراً في الزوايا مهملين ، ويبقى أعداء الدين في الحلبة بعدهم يجولون .

           وبعض هؤلاء يقدمون ما يلزم من حركات ليستخدمها الطرف المقابل الذي رسم له النجاح مقدماً ، وليقوم بحركات بهلوانية تعجب الناظرين ، وتلفت إليه الانتباه كله ، وتصوِّره في نفوس المشاهدين بصورة البطل المصارع الذي لا يُغلب .

           ولقد غدت هذه اللعبة الخداعية لعبة مكشوفة لدى الجماهير ، في حلبات الرياضة البدنية ، وفي حلبات السياسة ، وفي حلبات المذاهب الفكرية المختلفة ، وفي حلبات المعارك الحربية أيضاً ، وهي في حلبات الصراع ضد الدين كثيرة جداً ، ومتعددة الوجوه والصور والأشكال ، ومختلفة السمات والملامح .

           ومن عجيب أمر (د. العظم) أنه أقام من نفسه عارضاً للصورة الإسلامية كما يهوى ، ومدعياً على الإسلام وفق الصورة التي رسمها هو ، ومحامياً عنه كما يشتهي ، ومحامياً ضده كما يريد ، وقاضياً مشاركاً في دراسة الدعوى ، وأخيراً جعل من نفسه حاكماً لا يقبل حكمه الاستئناف ولا التمييز ، وهو قبل كل ذلك الخصم الذي يدبر المكايد ، ويصنع الأكاذيب ، ويلفق الحيل لهدم الإسلام هدماً كلياً ، ولا يألوا جهداً في توجيه أي حرب ضده وضد المسلمين ، خدمة للماركسي ، ومن ورائها اليهودية العالمية .

           وحينما يستشهد بأقوال بعض المسلمين فإنه لا يستشهد إلا بالأقوال الشاذة والآراء المنحرفة ، ويتصيدها تصيداً من ضمن الآراء الصحيحة السليمة ، ويقدمها على أنها هي وحدها الممثلة للفكرة الإسلامية في موضوع البحث الذي يناقضه ، ويطوي ما عداها من الآراء والمفاهيم ، أو يشير إليها إشارة خفيفة دون بيان ، وعلى طريقته التي عرفناها فيه يغالط في الحقائق ، فيعمم الخاص، أو يخصص العام من عنده ، أو يكذب في النسبة ، أو يؤول من عنده تأويلاً فاسداً ، أو يحرف في المراد من المعاني ، إلى غير ذلك من أصول المغالطات .

           نقل شطحات الحلاج الشاذة القائمة على العقيدة الجبرية ، وعلى التفسيرات الباطنية ، والتعبيرات الرمزية ، واعتبرها هي الممثلة للفكرة الإسلامية في موضوع إبليس وقصته ، مع أن هذه الأقوال مخالفة للنصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية مخالفة صريحة ، ولا تحتمل هذه النصوص تلك المعاني الباطنية الشاذة ، لا في أسلوبها العربي ، ولا في دلالتها الفلسفية ، وما هي إلا تحريف في الدين بآراء فلسفية لاهوتية دخيلة على الفكر الإسلامي .

          واعتمد آراء عز الدين المقدسي في كتابه "تفليس إبليس" لأنها في مضمونها تتضامن مع الشطحات الحلاجية الباطنية ، الجانحة عن المفاهيم القرآنية ، بالآراء الدخيلة على الفكر الإسلامي ، والتي أفسدت بعبثها نقاء الحقيقة الدينية الظاهرة من النصوص الإسلامية ، وهي الحقيقة التي فهمها أصحاب رسول الله والعلماء والأعلام من بعدهم ، ثم دخلت من بعد ذلك المذاهب المشبوهة في غاياتها ، فأفسدت ما أفسدت . وتتابع المضللون من بعدهم يعتمدون أقوالهم ويبنون عليها لمحاربة الإسلام والمسلمين .

       

          لكن الله يحمي دينه من المخربين من داخل الصفوف ، والمحاربين من خارجها، ويحق الله الحق ويبطل الباطل ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .

 إبليس في الفكر الإسلامي

          إبليس هو واحد من الجن ، والجن مخلوقات غير الملائكة ، وهما جميعاً غير الإنس ، ولكل صنف من هذه المخلوقات خصائص وسمات . فالملائكة خلقهم الله من نور ، والجن خلقهم الله من مارج من نار (أي: من أخلاط من النار) ، والإنس خلقهم الله من طين كما هو معلوم (أي: من عناصر مختلفة من الأرض ترابها ومعادنها ومائها).

           وقد دل على هذه الفوارق في عناصر التكوين ما رواه مسلم عن عائشة ، عن الرسول أنه قال : "خُلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم".

           وقد أثبت القرآن الفرق بين عنصري الإنس والجن وفق الصورة نفسها التي وردت في هذا الحديث ، فقال الله تعالى في سورة (الرحمن/55 مصحف/97 نزول):

           {خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}

           وفي احتجاج إبليس إذ رفض أمر الله له بأن يسجد لآدم قال فيما يحكيه الله عنه في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول):

          {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}

           والملائكة مخلوقون قبل الإنسان ، بدليل أن الله عرض على الملائكة قبل خلق آدم قضاءه بأنه خالق بشراً من الطين .

           والجن أيضاً مخلوقون قبل الإنسان ، بدليل قول الله تعالى في سورة (الحجر/15 مصحف/54 نزول):

          {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ منْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ }

           الصلصال: هو الطين اليابس الذي يصلصل إذا نقرته .

          والحمأ : هو الطين الأسود المتغير .

          والمسنون: هو المصور .

           فهذه الحقائق المستفادة من النصوص الإسلامية توضح تماماً اختلاف العناصر التكوينية بين الكائنات الثلاثة : (الملائكة – الجن – الإنس) ، وتوضح أن الملائكة والجن مخلوقون قبل الإنسان .

           وإبليس هو من الجن لا من الملائكة على خلاف ما زعم (د. العظم) ، وزعم أن الملائكة ليسوا بمنجاة من الغواية ، كما أراد أن يفهم من النصوص الإسلامية ، وإن كان هو بالأساس لا يؤمن بوجود الملائكة ولا بوجود الجن أصلاً ، والدليل على أن إبليس من الجن لا من الملائكة قول الله تعالى في سورة (الكهف/18 مصحف/69 نزول):

          {وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ..}.

           فهذا يوضح لنا أن عنصره كان من عنصر الجن لا من عنصر الملائكة ، يضاف إليه ما ثبت في النصوص من أنه مخلوق من مارج من نار ، أما الملائكة فهم مخلوقون من نور .

           إذن فقد كان إبليس بين الملائكة عنصراً دخيلاً ، وقد كشفه الامتحان ، والذي سمح له بأن يدخل بين صفوف الملائكة وجود التشابه الصوري ، والمشاركة في بعض الخصائص بين الجن والملائكة ، حتى كان إبليس يعبد مثل عبادة الملائكة ويخالطهم في بعض أعمالهم ، وهذا ما يظهر من تفسير دخوله في عموم أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، ويحتمل أن يكون الأمر بالأساس موجهاً للملائكة والجن معاً بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر ، والله أعلم بالحقيقة ، لكن كون إبليس من عنصر الجن لا من الملائكة أمر محقق بصريح النص الذي لا يحتمل التأويل .

           ويؤكد هذه الحقيقة ظهور المعصية منه بعد الامتحان ، وذلك لأن الملائكة من خصائصهم التكوينية أنهم لا يعصون لله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وقد دلت على هذه الحقيقة نصوص قرآنية كثيرة ، منها قول الله تعالى في سورة (الأنبياء/21 مصحف/73 نزول):

          {وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ}.

           ووصفهم الله بقوله أيضاً في سورة (الأنبياء/21 مصحف/73 نزول):

          {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}

           وظاهر أن إبليس قد استكبر على طاعة الله إذ أمره الله بالسجود لآدم ، ولم يعمل بأمره تعالى ، فهو عنصر مغاير لعنصر الملائكة ، له إرادة حرة ، ودوافع نفسية تدفعه إلى المعصية ، ولديه شروط التكليف كاملة .

           ولكن (د. العظم) غالَطَ في هذه الحقائق وتلاعب بمفاهيم النصوص كما راق له ، ليبني بناءاته الفاسدة على الصورة التزييفية التي صنعها .

           وبيان هذه الحقائق أخذاً من صريح النصوص سقط ادعاؤه الفاسد أن النصوص تفيد أن إبليس ملك من الملائكة ، وقد عصى لأن الملائكة عرضة لفعل الخير والشر والهداية والغواية كالإنسان .

           وإذ عصى إبليس وهو من الجن فليس معنى ذلك أن الجن كلهم عصاة ، بل هم كالإنس ، بعضهم مؤمنون مطيعون ، وبعضهم عصاة ، وبعضهم كافرون ، ومردة كفار الجن هم الشياطين وهم ذرية إبليس جنوده .

          ولما عصى إبليس ربه وأصر على عصيانه ولم يتب إلى بارئه ، وإنما جادل وعاند فطرده الله من رحمته ، تحدى فآلى على نفسه أن يغوي الإنسان ، وأن يتخذ جنوداً من الجن للإغواء ، بعد أن أخذ من ربه وعداً بأن ينظره إلى يوم الدين ، فقال الله له : إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، أي : إلى يوم إنها ظروف هذه الحياة الدنيا لا إلى يوم الدين .

           وفي الناس شياطين أيضاً ، والشياطين من الناس هم الكفرة بالله ، الذين يقومون بوظيفة إغواء الناس وصدهم عن سبيل الله ، فهم مردة كفار الإنس ، وهم شياطين الجن يتولى بعضهم بعضاً ، وينصر بعضهم بعضاً ، ويكمل بعضهم بعضاً ، في أعمال الإفساد والوسوسة والتضليل ، قال الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):

          {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}

           وقد ذكرني هذا بالنقاد (د. العظم) ، إذ دافع عن إبليس بما لم يدافع به إبليس عن نفسه بين يدي ربه ، فتمم له بعد أن نفذ فيه حكم الطرد من رحمة الله بنود الدفاع التي كان قد نسيها وهو بين يدي المحاكمة الربانية ، وما أظن أن المحاكمة ستستأنف ، لورود حيثيات جديدة تنبَّه إليها (د. العظم) ولم يكن قد تبنَّه إليها المدَّعى عليه إبليس يوم رفض السجود لآدم .

           لقد تلاعب "سيادته" بمضامين القصة ، وهو غير مؤمن بها أصلاً ، ليشوش على المؤمنين مفاهيمهم وعقائدهم .

           إن إبليس مؤمن بربه ، إلا أنه عاصٍ معاند متمرد ، مستكبر على أمر به ، وبذلك كَفَرَ كُفْرَ تمرد على الطاعة ، ثم لما طُرد من الرحمة تصدى لإغواء الناس وإفسادهم .

           أما "سيادته" فهو يحمل كل هذه الصفات مضافاً إليها الجحود بالله والكفر به وإنكار وجوده أصلاً ، فهو بهذا أكثر إيغالاً في الكفر ، وأكثر عناداً وتمرداً ، وأقدر على المجادلة بالباطل .

           وصدق الله العظيم . لقد وصف الإنسان بقوله في سورة (الكهف/18 مصحف/69 نزول):

          {...وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}.

 

          قال (د. العظم) في الصفحة (91) من كتابه:

          "برَّر إبليس رفضه السجود لآدم تبريراً منطقياً واضحاً إذ قال : (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ".

           ومن العجيب أن يؤمن "سيادته" وهو ماركسي المذهب بالفوارق العنصرية ، فيرى أن من كان أصل تكوينه من النار هو أشرف وأكمل تكويناً عنصرياً ممن كان أصل تكوينه من الطين .

           لو قال هذا الكلام واحد من المصابين بداء الكبر الطبقي العنصري الأرستقراطيين لكان كلامه منسجماً مع مذهبه ، أما أن يقوله ماركسي يحارب الأرستقراطية والكبر الطبقي العنصري فهو شيء عجيب ، لكن ما دام مثل هذا الكلام يخدم قضية الإلحاد فلا مانع لديه من أن يتبناه ويجعله أصلاً منطقياً ، ويدافع به عن إبليس ؛ ويجعل حجته فيه حجة منطقية ، ويسهب في شرحها وتأييدها ، فيقول في دفاعه عنه:

           "عن إمعان النظر بحجة إبليس الأولى التي تتألف من مفاضلته بين جوهره (النار) وبين جوهر آدم (الصلصال) نجد أنها لم تكن استكباراً وفخاراً ، بقدر ما كانت استذكاراً لحقيقة أساسية شاءها الله وأوجدها على ما هي عليه . وهذه الحقيقة هي أن الله لم يخلق الطبائع على درجة واحدة من السمو والكمال إنما ميَّز بينها ، ليس من حيث خصائصها الطبيعية والمادية فحسب بل من حيث درجات كمالها ورفعتها أيضاً . وبناءً عليه ففي إمكاننا أن نصنِّف الكائنات والأنواع في نظام تقديري معيَّن يبدأ بالكمال المطلق ذاته ، ثم يتدرج بالأنواع كلٌّ حسب درج كماله التي أسبغها الله عليه ، إلى أن نقترب من العدم باعتباره الحد الذي نقف عنده ، ولا ريب أن النار بطبيعتها وجوهرها تحتل مرتبة أسمى وأرفع في هذا الترتيب من المرتبة التي يحتلها الصلصال .بعبارة أخرى تنطوي مفاضلة إبليس بين جوهره وبين جوهر آدم على نظرة فلسفية معينة لنظام الكون وترتيب الطبائع وفقاً لدرجات الكمال التي تتصف بها . لذلك كان إبليس على حق في جوابه ، لأن الخالق جعل الأشياء على ما هي عليه من درجات الكمال والسموّ ، وأمر السجود لآدم يشكل مخالفة صريحة لهذا النظام وخروجاً على الترتيب الذي شاءه الله وأوجده . فإذا كان جوهر إبليس أرفع في سلم الكمالات من جوهر آدم فلن تستطيع النار عندئذٍ أن تذل للصلصال إلا بالسير في اتجاه مضاد لطبيعتها ومنافٍ لدرجة الكمال التي أسبغها الله عليها ، وهذا أمر محال ما لم يطرأ تحول جذري على المشيئة الإلهية فتغير ترتيب الطبائع عما كانت عليه منذ أن أوجدها الله ".

           هذه الحجة الإبليسية التي شرحها (د. العظم) منقوضة من عدة وجوه واقعية وفلسفية ، وليس لها سند إلا الكبر العنصري .

           أولاً: من أين له بأن يحكم حكماً قاطعاً للنار المتلفة المحرقة بأنها أرفع عنصراً من الماء والتراب المنبتين المخصبين اللذين فيهما الخير الكثير ، وهما مادة لحياة فيها كمال عجيب ، وهما وفق نظرية النشوء والارتقاء التي يعتقدها اتباعاً للداروينية يقعان في درجة أرقى وأرفع من الدرجة التي تحتلها النار ، لأن الأرض كانت ناراً فبردت صارت على ما هي عليه بعد أن مرت بدرجات ارتقائية متعددة ، فكان منها الحيوان ثم كان منها الإنسان .

           فأين منزلة النار من التراب على هذا وفق مذهبه؟

           ثانياً: هل العبر بأصل العنصر ، أم العبرة بما نتج عنه وخلق منه وظهر فيه؟

           أهان على سيادته أن يهدم كل مذهبه الديمقراطي لأن ذلك يخدم في نظره معارضة الدين فيما جاء فيه من مفاهيم وحقائق ، فأخذ يؤيد الأرستقراطية الطبقية العنصرية؟

           هذا مع أن الإنسان بعد تكوينه من الطين ظهر أنه أسمى في خصائصه العلمية الاستنباطية من الجن المخلوقين من النار ، فهو بعد التكوين أكمل وأسمى مرتبة من الجن ، بتكوين الله .

           حتى الآن ظهر لنا أن "سيادته" قد ناقض نفسه مرتين في قضية واحدة ، ليدافع عن موقف إبليس ، ويدعم رفضه أن يسجد كما أمره الله .

           في المرة الأولى : ناقض نفسه في نظرية النشوء والارتقاء التي يعتقدها .

           وفي المرة الثانية :ناقض نفسه في المذهب الديمقراطي الذي يتبعه .

           ثالثاً: لو كان سجود إبليس لآدم أمراً منافياً لطبيعته المخلوقة من النار لكانت الملائكة بذلك أحرى منه ، لأنهم مخلوقون من عنصر هو أرفع من الطين من النار ، ألا وهو عنصر النور ، ومع ذلك فإنهم قد سجدوا كلهم أجمعون ولم يعصِ الله منهم أحد ، فظهر أن إبليس لم يكن له عذر مقبول في رفض السجود ، وأن هذا السجود ، ما كان ليضاد طبيعته التي فطره الله عليها .

           رابعاً: حينما رفض إبليس أن يسجد لآدم إنما رفض أمر التكليف الرباني له ، وأمر التكليف في مجال الامتحان لا بد أن يشتمل على عنصر مخالفة للنفس ، واجتياز عقبة من عقباتها ، وإلا لم يكن تكليفاً كاشفاً للطاعة أو للمعصية لدى الإرادة الحرة ، ولو كان التكليف موافقاً لأهواء النفس وشهواتها لما كان في الحقيقة امتحاناً للإرادة بين طريقي الطاعة والمعصية . وهذه العقبة في إبليس كانت كبر نفسه ، فعلَّته الحقيقية هي مرض الكبر العنصري الطبقي الأرستراطي ، وحين امتحن في مجال هذه العقبة النفسية سقط في الامتحان ، ثم أصرَّ ولم يتراجع .

           وها ما دمغه الله به في قوله له كما جاء في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول):

           {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ}.

           فكانت عقوبة التكبر الذي تكبره صَغاراً وذلةَّ ، ولم يدافع إبليس عن نفسه بأنه لم يتكبر ، أو بأن السجود كان منافياً لطبيعته التي فطره الله عليها ، وإنما أصرَّ وعاند .

           وأوضح الله أيضاً عنصر استكبار إبليس وعناده في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول):

          {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ}

           وأوضح الله عناصر محاكمته لإبليس في سورة (ص/38 مصحف/38 نزول):

          {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِني خَالِقٌ بَشَراً من طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ * قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ منْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدينِ}

           فهذه النصوص كلها تحقق أن علة رفض إبليس السجود إنما كان عنصر الاستكبار في نفسه .

           فمن أين للنقاد (د. العظم) أن يزعم أن هذا الرفض لم يكن استكباراً وفخاراً بقدر ما كان استذكاراً لحقيقة أساسية شاءها الله وأوجدها على ما هي عليه ، مادام يحلل القصة من نصوصها تحليلاً لغوياً وهو لا يؤمن بها أساسً ، كما لا يؤمن بأية حقيقة دينية؟

           ولدى المقارنة بين الامتحان الذي أجراه الله لإبليس ، والامتحان الآخر الذي أجراه الله لآدم ، نلاحظ أن ابتلاء إبليس قد كان في مخالفة جرثومة الكبر في نفسه فسقط في الامتحان بعد أن كان قائماً بالطاعات التي لا تصادم هوى في نفسه ثم أصر على الاستكبار والعناد والتمرد ، أما ابتلاء آدم فقد كان في مخالفة جرثومة الشهوة في نفسه فسقط في المعصية ، فعوقب ، ولكنه لم يصر ولم يعاند ، بل رجع وأناب ، واستغفر الله وتاب ، ففتح الله له باب القبول ونجح في الدور التكميلي .

           وحين نمنع النظر في العناصر الحقيقية التي تقتضي تفضيل بعض الكائنات على بعض ، فلا بد أن نلاحظ أن الله قد فضل الإنسان المخلوق من الطين على الجن المخلوقين من النار ، بما وهبه من خصائص عملية استنباطية ، ليست موجودة لدى الجن ، ويرى كثير من الباحثين أن الله فضله بهذه الخصائص على الملائكة أيضاً ، بدليل أن الله أمر الملائكة بالسجود له ، وبدليل أن الله علَّم آدم الأسماء كلها في حين أن الملائكة أعلنوا عجزهم فقالوا : {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}.

           وبعد أن درسنا الخصائص الإنسانية وعرفناها تبين لنا أن الإنسان قادر على إدراك الأشياء الغائبة عنه ، عن طريق الاستنباط من سماتها وآثارها القريبة أو البعيدة ، فهو يستطيع بالتأمل والاستنتاج أن يدرك بعقله ما لا يدركه بحواسه إدراكاً مباشراً .

           فلعل هذا هو ما امتاز به آدم أبو البشر على الملائكة الذين أعلنوا أنهم لا يعلمون إلا ما يعلمهم الله إياه بطريق مباشر ، أما أن يعلموا سمات الأشياء وخصائصها عن طريق الاستنباط العقلي فهذا أمر لا يملكونه ، ولما وضع الله آدم موضع الامتحان أظهر براعته بهذا الشأن ، وبذلك ظهرت للملائكة حكمة الله الجليلة في خلق الإنسان وإبداعه .

           وقد يشهد لهذا قول الله تعالى في سورة (التين/95 مصحف/28 نزول):

          {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}

           فهذا النص يشعر بامتياز الإنسان على سائر ما خلق الله وسائر من خلق الله بأنه مخلوق في أحسن تقويم .

           ولا ينقص هذا الامتياز كون الملائكة والجن أقدر من الإنسان في كثير من الأعمال الجسدية المباشرة ، بحسب تصورنا للملائكة والجن المقتبس من دلالات النصوص الدينية ، لأننا حينما نلاحظ الجوانب الفكرية والنفسية للإنسان يظهر لنا أن الإنسان باستطاعته أن يستخدم كل الطاقات الكامنة في الكون بالبحث عن سماتها وخصائصها ، والحيلة في النفاذ إليها وتسخيرها تسخيراً هائلاً ضمن أغراضه ومصالحه ، وهذا ما تعجز عنه الجن والملائكة ، وهو يدل فعلاً على أن الإنسان مخلوق في أحسن تقويم .

           ولكن هذا الإنسان المخلوق في أحسن تقويم سيهبط إلى أسفل سافلين إذا كفر بربه وجحد جحوده أو أشرك به أحداً ، وذلك إذ وجَّه ما لديه من قدرة استنباط وبحث لمعرفة خصائص الطبيعة وكوامنها ، ثم أقام بينه وبين الحقيقة الكبرى حقيقة وجود الله سداً من الجحود والعناد والكبر ، فراراً من طاعة الله وعبادته ، وتطاولاً إلى مقام الألوهية إذ تنزع نفسه إلى تأليه ذاته ، صرح بذلك أو لم يصرح ، وأخلاقيته هذه هي التي ترده إلى أسفل سافلين ، بعد أن كان في أحسن تقويم .

           وينجو من هذا الردّ الشائن المهين الذين آمنوا بربهم وبما جاءهم من لدنه ، وعملوا الصالحات في حياتهم ، فهؤلاء يحافظون على بعض مستويات الامتياز الذي وهبوه في أصل الخلق ، ومن هؤلاء من يحافظ على المستوى الرفيع ، فيبقى أفضل من الملائكة ، ومنهم من ينزل عنه على قدر معاصيه وتقصيراته ، ولذلك قال الله تعالى في سورة (التين/95 مصحف/28 نزول):

          {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}

           أي : فلهم أجر غير مقطوع .

           فدلائل النصوص تؤكد أن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم أمر منسجم مع منطق الأفضلية ، على أنه لو لم يكن آدم قد فضَّله الله بأية ميزة ، ثم أمر الملائكة بالسجود له ، لكان عليهم أن يسجدوا امتثالاً وطاعة للأمر الإلهي ، لا عبادة لآدم ، ويكون آدم قبلة سجودهم ، كما أن أمكنة خاصة من الأرض هي قبلة العابدين ، حينما يتوجهون لله بالصلاة ، توحيداً للجهة وتوحيداً لصفوف المؤمنين .

           وباستطاعتنا أن نلتمس حكمة أخرى لهذا الأمر بالسجود لآدم ، إذ نستعرض قصة خلق آدم كما قصها الله علينا .

           تشتمل هذه القصة على عرض سابق من الله للملائكة بأنه سيخلق بشراً ، وعلَّم الملائكة بأن هذا المخلوق الجديد سيزوَّد بخصائص نفسية وإرادية وفكرية تجعله يفسد في الأرض ويسفك الدماء ويعصي الله تعالى ، فوجَّهوا إلى الله تساؤلاً فيه رائحة الاعتراض على حكمة الله في الخلق ، فكان الجواب الأولى لهم يتضمن أن الله يعلم ما لا يعلمون ، وكان الجواب الثاني لهم جواباً تطبيقياً عملياً ، إذ ميَّز الله آدم بعلم الأسماء كلها ، أي : بمعرفة سمات الأشياء وخصائصها واستنباط ما في بواطنها ، وهذا أمر أعلن الملائكة عجزهم عنه ، وكان لا بد من تكفير على التساؤل الذي بدت منه رائحة الاعتراض على حكمة الله في الخلق ، فأمر الله الملائكة بالسجود لهذا المخلوق نفسه الذي تساءلوا عن الحكمة من خلقه ، فسجدوا له ، وكفَّروا بسجودهم هذا عن سابق تساؤلهم ، ولم يكن أي سجود آخر دليلاً على الإذعان والتكفير في هذا الموضوع بالذات ، لأن الملائكة ساجدون لله ، عابدون له ، مسبِّحون بحمده ، مقدسون له دائماً ، فلو قال لهم اسجدوا لي لكان أمراً بتحصيل الحاصل الذي لم ينقطعوا ولن ينقطعوا عنه ،وكان هذا الأمر نفسه اختباراً لإبليس وكشفاً لهويته الحقيقية ، إذ لم يكن عنصراً نورانياً ملائكياً ، وإنما كان نارياً جنياً وكان بين الملائكة دخيلاً ولم يكن فيهم عنصراً أصيلاً.

           وبهذا البيان يتضح لنا مبلغ التحويرات والمغالطات والمفاهيم الفاسدة التي قدمها الناقد (د. العظم).

 

          قال الناقد (د. العظم) في الصفحة (90) من كتابه:

          "1- لا شك أن إبليس خالف الأمر الإلهي عندما رفض السجود لآدم ، غير أنه كان منسجماً كل الانسجام مع المشيئة الإلهية ، ومع واجبه المطلق مع ربه .

          2- لو وقع إبليس ساجداً لآدم لخرج عن حقيقة التوحيد ، وعصى واجبه المطلق نحو معبوده".

           ما شاء الله !! فهم غريب لم يفهمه إبليس نفسه ، لذلك فهو لم يذكره في حجته ، ولم تفهمه الملائكة فسجدت فأشركت بالله من حيث لا تدري ، ثم جاء نصيره من أبناء القرن العشرين ومن قبله باطنيون شوهوا صورة المفاهيم الإسلامية بأباطيلهم وفلسفاتهم ، ووضعوا من عندهم قصصاً خرافية ، أفسدوا فيها حقائق الإسلام الصافي ، فاكتشفوا فهماً جديداً لم يستطع أن يتوصل إليه أصحاب العلاقة أنفسهم .

           ثم تابع سيادة الناقد شرح فكرته ، فقال :

          "أراد الله للملائكة أن يقدسوه وأن يسبِّحوا باسمه ؛ لذلك كان السجود لآدم وقوعاً فيما يضيفه أهل الشرك إلى الذات الصمدية مما هي منزهة عنه ، إذ إن السجود لغير الله لا يجوز على الإطلاق لأنه شرك به . في الواقع يثير اختيار إبليس سؤالاً هاماً جداً هو : هل تكمن الطاعة الحقيقية في الإذعان للأمر؟ أم في الخضوع للمشيئة؟ هل يكمن الصلاح في الانصياع للواجب المطلق أم لواجب الطاعة الجزئية؟ لو كان الجواب على هذا السؤال بسيطاً وواضحاً لما وجدت المأساة في حياة الإنسان ، ولما وجد إبليس نفسه في هذه المحنة ، ولما وقع بين براثن الأمر والمشيئة . نستنتج إذن أن موقف إبليس يمثل الإصرار المطلق على التوحيد في أصفى وأنقى تجلياته".

الصفحات [1] [ 2]
اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 0 /5 ( 0 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 6869


المقالات المتشابهة
جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك