عرض المقال :مغالطة بطمس الشهادات المؤمنة للعلماء الماديين
  الصفحة الرئيسية » مـقـالات الموقـــع » الرد على شبهات حول الإسلام » الرد على الشبهات العقلانية للملاحدة

اسم المقال : مغالطة بطمس الشهادات المؤمنة للعلماء الماديين
كاتب المقال: الحقيقة
l" class="3" align="right">           وقد لمس الناس عامة –سواء بطريق فلسفية عقلية أو روحانية- أن هناك قوة فكرية هائلة ونظاماً معجزاً في هذا الكون يفوق ما يمكن تفسيره على أساس المصادفة ، أو الحوادث العشوائية التي تظهر أحياناً بين الأشياء غير الحية ، التي تتحرك أو تسير على غير هدى ، ولا شك أن اتجاه الإنسان وتطلعه إلى البحث عن عقل أكبر من عقله وتدبير أحكم من تدبيره وأوسع ، لكي يستعين به على تفسير هذا الكون ، يعد في ذاته دليلاً على وجود قوة أكبر وتدبير أعظم ، هي قوة الله وتدبيره ، وبرغم أننا نعجز عن إدراكه إدراكاً كلياً أو وصفه وصفاً مادياً ، فهنا ما لا يحصى من الأدلة المادية على وجوده تعالى ، وتدل أياديه في خلقه على أنه العليم الذي لا نهاية لعلمه ، الحكيم الذي لا حدود لحكمته ، القوي إلى أقصى حدود القوة".

           8- المقالة السادسة عشرة :

          كتبها (جورج هربرت بلونت)، أستاذ الفيزياء التطبيقية ، وكبير المهندسين بقسم البحوث الهندسية بجامعة (كاليفورنيا)، وهي مقالة بعنوان : "منطق الإيمان".

           وقد جاء فيها ما خلاصته:

           1- قال كاتب المقالة : "إنني أؤمن بالله ، بل وأكثر من ذلك ، إنني أكل إليه أمري ، ففكرة الألوهية بالنسبة لي ليست مجرد قضية فلسفية ، بل إن لها في نفسي قيمتها العملية العظمى ، وإيماني بالله جزء من صميم حياتي اليومية".

           2- ثم بعد أن قرر مبدأ الأمور البدهية التي نقبل بها قبول تسليم وإيمان ، قال :

           "وكذلك الحال فيما يتعلق بوجود الله ، فوجوده تعالى أمر بدهي من الوجهة الفلسفية ، والاستدلال بالأشياء على وجود الله – كما في الإثبات الهندسي- لا يرمي إلى إثبات البدهيات ولكنه يبدأ بها ، فإذا كان هناك اتفاق بين هذه البدهية وبين ما نشاهده من حقائق الكون ونظامه فإن ذلك يعد في ذاته دليلاً على صحة البدهية التي اخترناها".

           3- ثم قسم الأدلة إلى أنواع فقال : "والأدلة أنواع : منها الأدلة الكونية ، ومنها الأدلة التي تقوم على أساس إدراك الحكمة ، ثم الأدلة التي تكشف عنها الدراسات الإنسانية .

           فالأدلة الكونية : تقوم على أساس أن الكون متغير ، وعلى ذلك فإنه لا يمكن أن يكون أبدياً ، ولا بد من البحث عن حقيقة أبدية عليا .

           أما الأدلة التي تبنى على إدراك الحكمة: فتقوم على أساس أن هناك غرضاً معيناً أو غاية وراء هذا الكون ، ولا بد لذلك من حكيم أو مدبر .

           وتكمن الأدلة الإنسانية ، وراء طبيعة الإنسان الخلقية ، فالشعور الإنساني في نفوس البشر إنما هو اتجاه إلى مشرِّع أعظم".

           4- ثم ناقش الكاتب وضع الملحدين فقال : "ويلاحظ أن للملحدين منطقهم ، ولكنه منطق سلبي ، فهم يقولون : إن وجود الله يستدل عليه بشواهد معينة وليس ببراهين قاطعة ، وهذا من وجهة نظرهم يعني عدم وجود الله تعالى ، إنهم يردون على الأدلة الكونية بقولهم : إن المادة والطاقة يتحول كل منهما إلى الآخر ، بحيث يمكن أن يكون الكون أزلياً ، كما أنهم ينكرون النظام في الكون ويرونه مجرد وهم ، وهكذا ينكرون الشعور النفسي بالعدالة والاتجاه نحو موجه أعظم ، ومع ذلك لا يستطيعون أن يقيموا دليلاً واحداً على عدم وجود الله ، ومن منطقهم أن الأدلة المقدمة لإثبات وجود الله لا تعتبر كافية من وجهة نظرهم ، وهناك فئة أخرى من الملحدين لا يعترفون بإله لهذا الكون ، لأنهم لا يرونه ، ولكنهم لا ينفون وجود إله في كون أو عالم آخر غير هذا الكون ، ولا شك أن هذا موقف مائع متضارب لا يستند إلى أساس سليم .

           فإذا قارنا بين الشواهد التي يستدل بها المؤمنون على وجود الله وتلك التي يستند إليها الملحدون في إنكار ذاته العلية ، لاتضح لنا أن وجهة نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مما تحتاج إليه وجهة نظر المؤمن ، وبعبارة أخرى : نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة ، أما الملحد فيقيم إلحاده على العمى .

[1] هذه الأقوال من ( أ ) إلى ( ح ) مقتبسة من كتاب "الإسلام يتحدى" ، تأليف : وحيد الدين خان ، تعريب : ظفر الإسلام خان ، مراجعة وتحقيق : دكتور عبد الصبور شاهين .

[2] يلاحظ الكاتب الدول الإلحادية التي ترى أن مصالحها مرتبطة بدعم قضية الإلحاد .

[3] وهو ما تمليه بعض الأديان المحرَّفة عن أصولها الصحيحة .

[4] لكن هذا السبب غير موجود بحمد الله في واقع المعتقدات الإسلامية ، إلا أن دعاة الإلحاد يحاولون بكل ما لديهم من خداع وتضليل أن يصوروا العقائد الإسلامية تصويراً يخالف مقتضيات المنطق والتفكير العلمي ، إذ يعممون هذا السبب تعميماً تقريرياً دون دليل ، أو يحشرون مفاهيم غير إسلامية ضمن بعض مفاهيم إسلامية للتضليل .

          وأنا مقتنع أن الإيمان يقوم على العقل ، وأن العقل يدعو إلى الإيمان ، وإذا كان الإنسان يعجز أحياناً عن مشاهدة الأدلة فقد يكون ذلك راجعاً إلى عدم قدرته على أن يفتح عينيه".

          وهكذا مررنا على تلخيص لمقالات ثمان[1] من أصل ثلاثين مقالة لثلاثين عالماً من كبار علماء النهضة العلمية المعاصرة ، موجودة في كتاب "الله يتجلى في عصر العلم" ورأينا منها أن العلوم المادية تؤيد قضية الإيمان بالله جلَّ وعلا ، ولا تؤيد قضية الإلحاد مطلقاً .

           (ي) ويقول الفيلسوف (هرشل):

          "إنه كلما اتسع نطاق العلوم تحققت وكثرت الأدلة على وجود حكمة خالقة قادرة مطلقة ، وعلماء الأرضيات والهيئة والطبيعيات والرياضيات يهيئون بمساعيهم واكتشافاتهم كل ما يلزم لإنشاء معبد العلوم إعلاء لكلمة الخالق".

           (ك) أذاعت وكالة (رويتر) على العالم كله برقية جاء فيها ما يلي:

           "نيويورك _ ر _ استفتت مجلة "كوليرز" المعروفة عدداً كبيراً من علماء الذرة والفلك وعلم الأحياء (بيولوجيا) والرياضيات ، فأكدوا أن لديهم أدلة وقرائن كثيرة تثبت وجود كائن أعظم ، ينظم هذا الوجود ويرعاه بعنايته ورحمته وعلمه الذي لا حدَّ له . ويقول الدكتور (راين) إنه ثبت من أبحاثه في المعامل أن في الجسم البشري روحاً أو جسماً غير منظور. وقال عالم آخر : إنه لا يشك في أن الكائن العظم – وهو ما تسميه الأديان السماوية (الله) – هو الذي يسيطر على الطاقة الذرية وغيرها من الظواهر والقوانين الخارقة في هذا الوجود".

           (ل) وجاء في كتاب "الله في الطبيعة" للفيلسوف (كميل فلامريون) ، وهو فيلسوف ينكر اليهودية والنصرانية ولا يعرف الإسلام ، ما يلي :

           "إذا انتقلنا من ساحة المحسوسات إلى الروحيات ، فإن الله يتجلى لنا كروح دائم موجود في كل شيء".

           ويقول بحسب نظراته الخاصة التي لم يأخذها من التعاليم الدينية:

           "ليس هو (أي الله) سلطاناً يحكم من فوق السماوات ، بل هو نظام مستتر مهيمن على كاف الموجودات .

           ليس مقيماً في جنة مكتظة بالصلحاء والملائكة ، بل إن الفضاء اللانهائي مملوء به ، فهو موجود مستقر في كل نقطة من الفضاء ، وكل لحظة من الزمان ، أو بتعبير أصح : هو قيوم لا نهائي منزه عن الزمان والمكان والتسلسل والتعاقب .

           ليس كلامي هذا من جملة عقائد ما وراء الطبيعة المشكوك في صحتها ، بل من النتائج القطعية التي استنبطت من القواعد الثابتة للعلم ، كنسبية الحركة وقدم القوانين .

           إن النظام العام الحاكم في الطبيعة ، وآثار الحكمة المشهودة في كل شيء والمنتشرة كنور الفجر وضياء الشفق في الهيئة العامة ، لا سيما الوحدة التي تتجلى في قانون التطور الدائم تدل على أن القدرة الإلهية المطلقة هي الحوافظ المستترة للكون ، هي النظام الحقيقي ، هي المصدر الأصلي لكافة القوانين الطبيعية وأشكالها ومظاهرها".

           * التعليق على هذه الأقوال المؤمنة:

          وباستعراض هذه الأقوال المؤمنة لطائفة من كبار علماء الكون الماديين – ويوجد أمثالها كثير – يتبين للمنصف بوضوح مدى المغالطات والافتراءات التي بنى عليها الملحد الماركسي العربي (د. العظم) كتابه المتهافت "نقد الفكر الديني" لا سيما حينما زعم أن مزاج حضارة القرن العشرين وثقافته ممتلئة بالتردد والميوعة حيال الدين والمعتقدات الدينية ، وذلك في الصفحة (19) من كتابه.

           وتجاهل كل الأقوال المؤمنة التي قالها كبار العلماء الماديين من علماء القرن العشرين ،وكل الشهادات العلمية الإيمانية .

          وتجاهل أيضاً الأعمال التخريبية لأصول الإيمان ، وهي الأعمال التي تقوم بها منظمات عالمية ، ترى أن نشر الإلحاد ودعم قضيته مما يخدم مصالحها الخاصة أحسن خدمة ، إذ يجعل الشعوب الإنسانية على حافة الانهيار ، ومتى انهارت تسلمتها أفواه الذئاب والثعابين الواقفة لها بالمرصاد .

           وكل من يخدم قضية الإلحاد باندفاع وحماسة فهو جندي من جنود هذه المنظمة العالمية ، وكثيراً ما يكون غراً لا يزيد أجره عند قادة المنظمة على أجر قاتل أمه وأبيه ، متى قتلهما ألحق بهما ، وقد كان من قبل يمنى بالأماني العريضة ، وتتحلب أشداقه على المواعيد الحلوة ، وذلك لأن من استخدمه حربة لم يستخدمة إلا ليكسره متى استنفد أغراضه منه .

           ألم يطلع الملحد (العظم) على كل هذه الأقوال المؤمنة ونظائرها؟ ألم ينظر من أقوال العلماء إلا أقوال (برتراند رسل) لأنه اتجه إلى الإلحاد؟ ألم يقرأ من أقوال العلماء المؤمنين إلا مقالة الفيلسوف (وليم جيمس) إذ رأى استدلاله على وجود الله استدلالاً ضعيفاً؟ وقد جاء بعده علماء كثيرون كانت لهم أقوال ومقالات مشتملة على بيانات وأدلة أقوى مما ساقه (وليم جيمس).

           أليس هذا من طمس الحقائق والتلاعب بها؟ فأين الأمانة العلمية التي يتظاهر بالغيرة عليها؟

           ولكن هذا هو شأن المبطلين حينما ينصرون الباطل الذي يتعصبون له بدافع المصالح والمنافع الخاصة لا بدافع نشدان الحقيقة .

           لقد رأينا في حشد هذه الأقوال المؤمنة للعلماء الماديين وكثير منهم من علماء القرن العشرين أن موجة من العودة إلى الدين الصحيح الصافي تسود الأوساط العلمية الكبرى .

 

          فما ادعاه (العظم) في الصفحة (28) من "أن النظرة العلمية التي وصل إليها الإنسان عن طبيعة الكون والمجتمع والإنسان خالية عن ذكر الله" ، ادعاء كاذب وباطل لا أساس له من الصحة مطلقاً .

           ولكن هل للمبطل إذا أراد أن ينصر باطله إلا السفسطة ، والمغالطة ، والمراوغة عن الحق ، وصناعة الأكاذيب ، والتمويه بالأقوال المزخرفة .

           ولنفرض جدلاً أن العلماء الماديين جميعهم أنكروا وجود الله ، أفيؤثر ذلك على حقيقة وجود الله جلَّ وعلا ؟ هل ينتظر من العلوم المادية المتقدمة وأجهزتها المتطور أن ترينا الله تبارك وتعالى رؤية حسية . إن أقصى ما تفعله أن ترينا آيات الله في الكون ، أما ذات الله تبارك وتعالى فلن تستطيع أن ترينا إياها ، وهذا ما بينه الله بقوله في سورة (فصِّلت/41 مصحف/61 نزول):

          {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ }.

           على أننا نقول: هل تستطيع العلوم المادية المتقدمة ، وأجهزتها المتطورة ، أن ترينا كثيراً من الطاقات الكونية التي غدت حقائق علمية ثابتة لدى العلماء الماديين عن طريق الاستنتاج من ظواهرها وآثارها ، وهذه الحقائق التي أثبتوها ليست إلا تفسيرات نظرية للظواهر؟

           إن أقوال العلماء الماديين المؤمنين الذين نشأوا في عصر النهضة العلمية المادية الحديثة لتقدم للمتشككين أدلة كافية على أن العلوم المادية ليست علوماً ملحدة في حقيقتها ، لكن الإلحاد ملصق بها بطريقة صناعية مقصودة موجهة ، من قبل فئات خاصة لها في نشر الإلحاد مصالح سياسية واقتصادية ضد خيرية البشرية وسعادتها .

           ومن هذه الأقوال يتبين لنا بوضوح أنهن لا يوجد تناقض ولا تعارض مطلقاً في نظر جمهور العلماء الماديين بين الدين والعلم حول الأساس الأول من أسس العقيدة الدينية ، وهي عقيدة الإيمان بالله جلَّ وعلا ، وبهذا تنهار المستندات الإلحادية التي تزعم وجود هذا التناقض بالنسبة إلى هذه النقطة بالذات ، باعتبارها مجال بحثنا الآن ، وباعتبارها أعظم نقطة في الأيديولوجية الإلحادية ، والتي يحاول الملحدون جهدهم أن يوجدوا لها المبررات النظرية ، أو المبررات العملية ، فلا يجدون إلا افتراء الأكاذيب ، وصناعة المغالطات ، والاحتماء المزور بالتقدم العملي والصناعي ، وسرقة أسلحة العلم التي لا تملك في الحقيقة الدفاع عن الإلحاد ، وإنما هي في الأصل أسلحة لقضية الإيمان ، يحسن استعمالها العالمون بها ، وتكون عند الجاهلين بها أسلحة معطلة ، ويسرقها الملحدون فيحملونها أمام الجاهلين ، فيتخيل الجاهلون بها أنها فعلاً أسلحة للملحدين ، وهي تدعم قضية الإلحاد ، مع أن الحقيقة بخلاف ذلك ، إنها أسلحة للمؤمنين العالمين بها ، الذين يحسنون استعمالها .

           ومثل الملحدين في نظري إذ يسرقون أسلحة المؤمنين كمثل وارث كنز عظيم ، ولكن هذا الوارث قد نشأ وهو يجهل أين خبأ له مورثه كنزه ، وأقبل خبراء البحث عن الكنوز ينقبون ويبحثون ، وتسلل من وراء هؤلاء الخبراء لصوص ، تظاهروا بأنهم باحثون خبراء ، ولكنهم وقفوا يرصدون ما يعثر عليه الباحثون الحقيقيون ، ليسرقوه كله أو ما يستطيعون سرقته منه ، وكان مورث الكنز قد كتب اسمه ورسم صورته على أحد وجهي مصكوكاته الذهبية علامة على أنها له ، وقد خبأها لوارثه ، أما الخبراء المنقبون الأمناء : فإنهم لما ظفروا بما وجوده من الكنز، أعلنوا ما شهدوا من كتابة ورسوم على مصكوكاته ، وثبتوا استحقاق الوارث لها ، وأخذوا أجرهم على أعمالهم . وآخرون لم تكن لديهم الأمانة الكافية أو كانوا جاهلين بقراءة المكتوبات الأثرية أخذوا ما عثروا عليه ، وانتفعوا بالكنز ، ولم يعلنوا ما شهدوا من كتابة ورسوم على مصكوكاته ، ولم يهتموا بأن يعترفوا باستحقاق الوارث لها . وجاء من وراء الفريقين فئة اللصوص ، فسطوا على بعض ما استخرجه الخبراء من الكنز ، وطمسوا الوجه المكتوب ، وأقبلوا يفاخرون بأن الكنز كله هو ملكهم ، وهو ميراثهم ، والدليل على ذلك أن بعض قطع مصكوكاته الذهبية في أيديهم ، قد عثروا عليها وفيها كتابة تشهد لهم بأن مورِّثهم قد خبأها لهم .

           وحينما يُقال لهم : أرونا هذه الكتابة التي تشهد لكم يقولون: فلان قال هذا ، وفلان قال هذا ،وفلان قال هذا ، وكل هؤلاء الذين ذكروهم هم من فئة اللصوص أنفسهم ، أو من غيرهم ولكن يكذبون عليهم ، ويظلُّون حريصين على أن يبقى الوجه الثاني للمصكوكات الذهبية مطموساً ، حتى لا تنكشف لعبتهم القائمة على اللصوصية والتزوير .

          بأسلوب مَهين من الغوغائية الجدلية لمحاربة الدين ومناصرة قضية الإلحاد ، قال الناقد (د. العظم) في الصفحة (38) من كتابه :

           "جلي أن هذه النظرة الإسلامية للكون هي نظرة غائية ، تعتمد في تفسيرها لطبيعة الكون على العلل الغائية ، والأهداف السامية ، وعلى مفاهيم أخلاقية مثل "الحق والعدل".

           هل تنسجم هذه النظرة الغائية إلى الكون والحياة مع النظرة العلمية التي تسود العالم المعاصر وثقافته؟ لو رجعنا إلى التفسيرات العلمية للكون من (نيوتن) إلى (أينشتاين) هل نجد في صلبها مقولات مثل (الأهداف السامية) أو (الحق والعدل) أو (الروح والجمال والخالق)؟ هل نجد لهذه المفاهيم الأخلاقية الدينية أي ذكر في النظرية النسبية ، أو في ميكانيكا الكموم مثلاً؟ سؤال جدير بالتمحيص والإيضاح والمناقشة على أقل تعديل".

           هذا كلامه بالحرف الواحد ، فياللعجب العجاب!! أعلى هذا المستوى الفكري السخيف تعرض قضية الإلحاد ، وتناقش قضية الإيمان بالله؟!

           أهكذا يجازف بمنطقه وفلسفته ليصنع حجة مكشوفة السخف والتفاهة؟

           ولكن إذا لم يكن لديه حقائق يناقش بها أفلا يطرح أكوام ألفاظ يغالط بها المراهقين ، ويوهمهم فيها أنه يصنع جدليات عالية؟

           قد يتصور أن مراهقي الأفكار المفتونين بالألفاظ الحديثة إذا لم يفهموا أكوام ألفاظه هذه فإنهم سيظنون أن كاتبها ضليع بدلالاتها ، ما دام قد استخدم في غضونها عبارات النظرة العلمية التي تسود العالم المعاصر وثقافته ، والنظرية النسبية ، وميكانيكا الكموم ، وله أن يحشر معها إذا شاء عبارات (الجداول الرياضية) و(الطاقة الذرية) و(الطاقة الهيدروجينية) و(طائرات الميغ) و(الأقمار الصناعية) و(حضارة القرن العشرين) و(موسكو) و(نهر الراين) و(جبال هيمالايا) ، إلى غير ذلك من ألفاظ وعبارات لا صلة لها بموضوع البحث .

           فما صلة النظرية النسبية وميكانيكا الكموم بالحديث الصريح عن الله تعالى ، أو التعرض إلى المفاهيم الأخلاقية ، حتى يعتبر عدم ذكر اسم الله والمفاهيم الأخلاقية فيها دليلاً على نفي وجود الله ، أو على إلغاء المفاهيم الأخلاقية؟!

           إن عمله يشبه عمل من ينكر وجود القطب الشمالي لأنه لم يوجد له ذكر في جدول الضرب ، ولا في كتاب "تعلمي سيدتي كيف تطبخين" ، ولا في بطن "حصان طروادة" ، ولا في "السمفونية التاسعة لبيتهوفن".

           هذا مع أن العلامة (ألبرت أينشتاين) صاحب النظرية النسبية قد كان مؤمناً قوي الإيمان بوجود الله ، ومن أقواله : "إن أصحاب العبقريات الدينية في جميع العصور قد عرفوا بهذا النوع من الشعور الديني الذي لا ينتمي إلى نحلة ، ولا يتمثل الله في أمثلة بشرية ، إنني لأرى أن أهم وظيفة من وظائف الفن والعلم هي أن يوقظا هذا الشعور ، وأن يستبقياه حياً في الذين تهيأوا له".

           أليس عجيباً أن يقول (أينشتاين) مثل هذا الكلام وهو صاحب النظرية النسبية ، ثم يأتي (د. العظم) فيورد (النظرية النسبية) مورد الاستشهاد لإنكار وجود الله ، ونقض المفاهيم الأخلاقية الدينية ، باعتبار أن هذه الأمور لم تذكر فيها؟

           كان عليه قبل أن يستشهد بـ(أينشتاين) وبـ(النظرية النسبية) أن يراجع على أقل تقدير ما يعرف الناس عن هذا العالم ، وعن أقواله في الدين ، حتى لا يورط نفسه بهذا التهافت الذي سقط فيه .

           إن (أينشتاين) لو كان يرى أن نظريته النسبية تتنافى مع الدين لدعم بنظريته الإلحاد ، ولأعلن بها نقض الدين ، لكنه _كما رأينا_ على العكس من ذلك حريص على إيقاظ الشعور الديني ، وإبقائه حياً في الذين تهيأوا له .

           لكن (د. العظم) حينما أورد اسم (أينشتاين) و(النظرية النسبية) في غضون كلامه ، إنما عمد إلى السفسطة والمغالطة ، والإيهام ، ليصور للقارئ الجاهل أنه يصنع شيئاً لدعم قضية الإلحاد ، فهو يذكر الأسماء الكبيرة في مجال العلوم المادية ، ليستر بها تضليله وغوغائيته الجدلية .

           وكما أوهم أن (أينشتاين) ملحد ، أوهم أيضاً أن العالم (لابلاس) من فئة الملحدين ، على خلاف ما عليه واقع حال هذا العالم .

تابع :مغالطة بطمس الشهادات المؤمنة للعلماء الماديين

[1] اقتباساً من كتاب "العقيدة الإسلامية وأسسها" للمؤلف ، وكذلك الأقوال الواردة بعد تلخيص المقالات الثمان: قول (هرشل) ، وما أذاعته وكالة (رويتر) ، وما جاء في كتاب "الله في الطبيعة" للفيلسوف (كميل فلامريون).

الصفحات[ 1] [2]
اضيف بواسطة :   admin       رتبته (   الادارة )
التقييم: 0 /5 ( 0 صوت )

تاريخ الاضافة: 26-11-2009

الزوار: 8168


جديد قسم مـقـالات الموقـــع
القائمة الرئيسية
البحث
البحث في
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الاشتراك